رجال كل العصور..!
هل هناك بالفعل من يصلح لكل العصور وإن اختلفت الظروف وتقاطعت التوجهات والأهداف؟ فبينما يرى البعض أن رجل كل العصور يطلق على الشخصية التي تستطيع النفاذ إلى مطبخ السلطة في صور متعددة مدعيا الكفاءة والخبرة والقدرة على تضليل متخذ القرار وتغيير مواقفه وقناعاته حسب متطلبات الحالة والحاجة وفي أحيان كثيرة التخلي عن مبادئه الأساسية لإثبات أنه الأصلح ورجل المرحلة بالرغم من أنه كان رجل مرحلة سابقة مختلفة تماما، وهذه الحالة تنطبق على نماذج كثيرة عايشناها تتبوأ مناصب مستقرة لفترات طويلة، ورأيناها تتحول وتتلون لتثبت الولاء وتجزل العطاء لصاحب الأمر ومتخذ القرار، وهؤلاء دائما ما يتطوعون بتقديم ما يطلب منهم، وما لا يطلب منهم على السواء، وغالبا يمسكون العصا من المنتصف حتى يجيدوا الرقص بها!
ويرى البعض الآخر أن هناك رجلا يصلح لكل العصور صاحب خبرة لا يدعيها وقدرة على مواجهة المشاكل يستطيع أن يحققها على أرض الواقع خصوصا وهو يدرك أن المشاكل التي يواجهها هي كما كانت من قبل لم يزد عليها غير بعض التفاصيل البسيطة، وأن معظمها يستطيع التعامل معها دون خوف أو تردد، وغالبا هذا الصنف من الرجال لا يسعى للسلطة ولكن السلطة هي من تسعى إليه ويتميز هذا الرجل بنظافة اليد وبصحيفة حالة جنائية بيضاء.
ويبقى السؤال الذي طرحته مسبقا.. هل هناك رجل لكل العصور؟ والإجابة في الحالتين نعم..لأننا ما زلنا نبحث عما نريد من داخل نفس الصندوق القديم الذي تقبع فيه كل الأعمار الكبيرة بخبرتها التقليدية التي تجاوز معظمها الأحداث والقضايا وطرق العلاج وهذا ما يسبب الأزمات المتتالية من حالات الرفض والنقد والاحتجاج من جانب الشباب والأعمار المتوسطة التي تمتلك رؤية وطموحا لم يختبر بعد مما يبرر اختيار نماذج نمطية تتحول بفعل الحاجة إلى رجال كل العصور..
إذا كان هذا جائزا في بعض الوظائف أو الأماكن فإنه يمكن كشفه والتعامل معه إما بالاستبعاد أو الإبقاء حسب المصلحة العامة لكن الأخطر في رجال كل العصور هم هؤلاء الذين يتمثلون بالشيطان الذي يرتدي كل دقيقة لباسا جديدا مختلفا ويزينون الفساد ويضخمون الذات وينفخون في النار لتبدو أكثر وهجا لإقناع المسئول أنها نور وليست نارا، والذين ينصحون أي مسئول بأن السير في الطرقات الضيقة والحواري هو الأمان من الخطر الذي قد يقابله في الشارع الكبير الواسع حيث أنظار الجميع عليه وقد يصبح هدفا سهلا للقيل والقال وربما الاغتيال !!
الأخطر في رجال كل العصور كونهم يملكون المال الذي يعينهم على شراء كل شيء بالإغراء أو تحت ضغط الحاجة، وكونهم يملكون وسائل إعلامية تعينهم على الوصول لأكبر نسبة من الناس، وكونهم يقبعون خلف ميكروفونات وأمام كاميرات يطلون منها على مدى الساعة ينفثون سموما ليس لها ترياق يتجرعها المشاهد وهو يتصور أنه يشرب عصير ( ليمون فريش ) أو (نسكافيه ) الصباح أو المساء !!
مثل هؤلاء الذين يسيرون في الركب يحملون المباخر والدفوف ويدورون حول كودية الزار بغية الحصول على منفعة أو عطية من عطايا فساد أي مسئول هم الخطر الحقيقي على الوطن، وهم من يعتبرون أن الوطن وجهة نظر، وأن أمنه القومي وجهة نظر، وأن كل شيء قابل للقسمة على اثنين وثلاثة وأربعة فيسمحون لأنفسهم بالدفاع عن القتلة متسترين بشعار حقوق الإنسان والحرية، ومتجاهلين حقوق الضحايا والشهداء من أبناء الوطن من الجيش والشرطة والأبرياء من عابري السبيل الذين يسقطون بفعل الإرهاب الأسود الذي يغتال أحلام المصريين !!
رجال كل العصور من الإعلاميين الذين يغيرون مبادئهم كما يغيرون أحذيتهم، ويلبسون كل ليلة ماسكات تليق بما سوف يتحدثون عنه هم الآن رءوس الحربة الموجهة إلى قلب الوطن، وهم السهام المصوبة إلى عقول المواطنين، وهم كتيبة الإعدام في جيش جيل الحروب الرابعة.. رجال كل العصور يظهرون في أماكن متعددة وفي مواقف متعارضة ولديهم ردود على تفسير ما يفعلون.. لكنهم لا يدركون رغم براعتهم أن الفرز الشعبي لهم يجرى على قدم وساق وسوف تأتي لحظة الحساب.
Elazizi10@gmail.com