رئيس التحرير
عصام كامل

مصر رابعاً


على ذمّة محطة "سى .إن .إن"، وَوِفْقاً لتقرير عَنْ أكثر دول العالم افْتقاراً للاستقرار والأمن فإن مصر تحتل المرتبة الرابعة، والدول الثلاث التى تتقدم عليها فى هذا المجال هى دول فاشلة تبعاً للتعريف الدقيق لهذا المصطلح الذى أصبح أكثر تداولاً فى العقدين الماضيين، وسبق للمفكر الأمريكى تشومسكى أن كَرّس مؤلفاً لتحديد مفهوم الفشل قدر تعلقه بالدولة المعاصرة، وهذا التقرير بحدّ ذاته يَقْرَعُ جُمْلةً من الأَجْراس، لأن ما تُعانيه مصر بعد عامين من حراك يناير الذى أسقط نظام مبارك قد يتصاعد ولا يتوقف عند الإحصاءات الكارثية التى تُنشر الآن حول عَجْز الطاقة وتوقف بعض الصناعات، إضافةً إلى الخَلَل الأَمْنى والنزاعات السياسية.

والحل قد لا يكون معجزة أو هَدَّيةً من السّماء، بل هو من صميم الواقع المصرى، فإمكانات البلاد كبيرة بكل المقاييس لكنها تبقى هاجعةً أو مُؤجلة إذا لم يُسارعْ أهل الشأن إلى ترجمتها من مادة خام إلى منجزات قابلة للاستخدام، وهناك أزمات من طراز الأَوانى المستطرقة، بحيث يتعذر الفصل فيها بين الاقتصادى والسياسى والأَمْنى، لهذا فالوَصْفة التى تليق بالخروج من عنق الزجاجة مُركّبة وأشْبه بتلك التى يعدّها الصيّادلة من خَلْطةٍ دقيقة النِّسب.
لكن ما يحدث الآن هو إفراط فى التوصيف والنَّذير فقط، أما ما تبقى وهو المجال الحيوى للعلاج فهو غارق فى الحيرة والقلق وَضَرْبُ الأخماس بالأسْداس، رغم أن مصر لا يَنْقصها الخُبراء والأُمنَاء على أعزّ ما تملك وهو استقرارها، لأنه الضمانة الوحيدة لاقتصادها سواء كان فى مواصلة الإنتاج محلياً أو فى اجتذاب الاستثمار من الخارج، وحتى قناة السويس المصدر الثابت للدخل القومى وبنسبة تَتَصدَّر هذا الدّخل لم تَسْلمْ من القلق بشأن مواصلة دورها بعد الأحداث التى عصفت بمدن القناة الثلاث بورسعيد والسويس والإسماعيلية، وكثير من الأنشطة التى طالما غَذًّتْ الاقتصاد المصرى ومنها ما يسمى القوة الناعمة كالثقافة والفنون هى الآن شبه مُعَطّلة.
فقد استقال ثلاثة وزراء ثقافة خلال عامين لأسباب متعددة ربما كان أحدها، كما حدث فى استقالة الوزير الأخير، اقتصادياً لأن وزارته لم تظفر بالنصيب المطلوب من الموازنة وذهب معظم هذا النصيب لوزارة الشباب لأسباب سياسية كما يقال عبر وسائل الإعلام المصرية.
إن تراجع مصر إلى هذه المرتبة فى مجال غياب الأمْن حَسْب تقرير "سى . إن .إن"، لا يجعلها بعيدة عن أمثولة الصَّوْملة، فالمشهد الآن لا يَحْتمل التَّجْميل أو التواطؤ، واستقرار مصر وَأمْنها لا يَخُصُّها وحدها بل يُشيع مناخاً إلى ما حولها، ولو كان عالم الجيوبولتيك الراحل دكتور جمال حمدان قد شهد ولو شيئاً يسيراً مما يحدث الآن فى مصر لأضاف إلى كتابه "عبقرية المكان" فصلاً آخر.
إن لكل دقيقة ثمناً الآن وفى هذا التّسارع للأحداث الذى ينعكس إيقاعه على الأمن والاقتصاد والحياة الاجتماعية فى مصر التى لم تعد محروسة بما يكفى كما كانت تُسمّى.
نقلاً عن الخليج الإماراتية
الجريدة الرسمية