رئيس التحرير
عصام كامل

«مسلمو تتار القرم» بين مقصلة البطش الروسي وسندان الأمريكان.. احتلال موسكو حصد آلاف الأرواح.. القتل شعار حكام الجزيرة.. تشوباروف: الاستفتاء غير شرعي وضد القانون ومستمرون في مقاطعته

صوره ارشيفيه
صوره ارشيفيه

يبدو أن التتار المسلمين في شبه جزيرة القرم كتب عليهم النضال والشقاء حتى الموت. فبعد إجراء الاستفتاء، خُير مواطنو القرم بين السيادة الأوكرانية أو الانضمام إلي روسيا، نجحت كفة روسيا بنسبة تخطت حاجز 95 % بعدما أدلى نحو 75% من المواطنين بأصواتهم في الاستفتاء فجميعهم اختار الانضمام الي الدب الروسي ، ولكن القلق لازال يسيطر علي تتار المسلمين هناك علي الرغم من اختيارهم إلا أنهم يشعرون بالخوف علي مستقبلهم وحاضرهم الذي بات لهم أشبه بالمجهول في عصر تصفية الحسابات وتقاسم المصالح بين القوى الكبرى دون النظر الي مصالح الضعفاء، فما بين ترسانة عدو منافق دائما ما يتستر خلف شعارات حقوق الإنسان في العالم ظاهريا في حين يتغافل عنها في أي أمر يتعلق بمصالح المسلمين وبين عدو آخر يتظاهر بدعمه للإسلام على الرغم من عدائه الصريح لهم يقبع مسلمو التتار في القرم .



التتار المسلمون بالقرم هم مجموعة من المسلمين تم ترحيلهم بشكل جماعي من شبه جزيرة القرم في أربعينيات القرن الماضي بالتحديد في عام 1944 بعدما أجبرهم "ستالين " علي ذلك ولهم تاريخ حافل من النضال السلمي الذي استمر لعقود متتالية من أجل العودة مرة أخرى الي أحضان القرم وبالفعل تمكنوا من العودة في عام 1989 .

تجدر الإشارة إلي أن الإسلام وصل الي القرم عن طريق التتار في عهد القبيلة الذهبية أول قبائل المغول في اعتناق الإسلام،وكانوا علي علاقة طيبة مع مماليك مصر و الشام ولكن نتيجة للصراع بين أبناء الأسرة الحاكمة وتفشي الظلم ضعفت دولة التتار المسلمين وتفتتت دولتهم ما جعل الروس يستغلون ذلك الضعف لمصالحهم وبالفعل احتلوها .


كانت روسيا عدوا لدودا للخلافة العثمانية، وكانت تمد يد المساعدة لكل من يتوافق معها في حربها ضد دولة الإسلام وخاصة الشيعة الصفويين في إيران، غير أن الكثير من المسلمين لا يعرفون أن العثمانيين كانوا يؤدبونهم يوم رفعوا راية الجهاد وكانت روسيا تدفع الجزية للمسلمين، بل فكر المسلمون في فتح موسكو نفسها، وذلك على حملتين الاولي في عهد السلطان العثماني سليم الثاني و الثانية عام 1752 .

تراوحت السيطرة الغربية على بلاد القرم بعد أن ضعفت الخلافة العثمانية بين روسيا الشيوعية وألمانيا النازية، فعندما قامت الحرب العالمية الأولى دمر الروس مدينة سيمفروبول، وقضوا على الحكومة التترية، غير أن الألمان تمكنوا من احتلال القرم من الروس، ثم انسحب الألمان بعد مدة .

سيطر الروس الشيوعيون على بلاد القرم بعد الألمان، وعندها أعلن التتار الجهاد والدفاع عن الدين، ورأى الشيوعيون أن حبل المقاومة طويل، فلجأوا إلى حرب التجويع، فجمعوا الطعام والأقوات من البلاد، ليموت المسلمون جوعا، وكان معدل موت المسلمين 300 إنسان يوميا، وعندها فضّل المجاهدون لأنفسهم الموت من أن يصيب الناس ما أصابهم من بلاء بسبب اعتصام المجاهدين ومقاومتهم.

في عام 1928م أراد ستالين البلشفي المجرم إنشاء كيان يهودي في القرم، فثار عليه التتار المسلمون بقيادة أئمة المساجد والمثقفين فأعدم 3500 منهم، وجميع أعضاء الحكومة المحلية بمن فيهم رئيس الجمهورية ولي إبراهيم، وقام عام 1929م بنفي أكثر من 40 ألف تتري إلى منطقة سفر دلوفسك في سيبيريا، كما أودت مجاعة أصابت القرم عام 1931م بحوالي 60 ألف شخص.

هبط عدد التتار من تسعة ملايين نسمة تقريبا عام 1883م إلى نحو 850 ألف نسمة عام 1941 وذلك بسبب سياسات التهجير والقتل والطرد التي اتبعتها الحكومات الروسية سواء على عهود القياصرة أو خلفائهم البلاشفة، وتكفل ستالين بتجنيد حوالي 60 ألف تتري في ذلك العام لمحاربة ألمانيا النازية.

وقبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية احتدمت المعركة بين الروس والألمان على أبواب القرم، وظن التتار أن الألمان سيكونون أرحم عليهم من الروس المجرمين، فقرروا الاستسلام لهم انتقاما من الروس، فما إن علم الألمان أن المستسلمين من التتار المسلمين حتى نزعوا منهم السلاح وساقوهم حفاة 150 كيلو مترا سيرا على الأقدام ودون طعام، وبدأ المسلمون يموتون جوعا، وبدأ الأحياء يأكلون لحم الأموات، فلما أدرك الألمان ذلك أخرجوهم من السجن وأبادوهم رميا بالرصاص.

وهزمت ألمانيا في الحرب، وعاد المستعمرون الشيوعيون إلى القرم، واتهم الروس التتار أنهم من أعوان الألمان، فدخل الشيوعيون العاصمة وطمسوا معالم الإسلام فيها، حتى دكوا المساجد الأثرية، مثل: جامع خان، وجامع بازار، وجمعوا المصاحف وأحرقوها في الميادين العامة، فكان مجموع ما هدمه السوفييت 1558 مسجدا في شبه جزيرة القرم، والعديد من المعاهد والمدارس، وأقاموا مكانها حانات للخمر وحظائر للماشية ودور للهو وبعدها انطلق الجنود الروس الشيوعيون في الشوارع والطرقات يفتحون نيران أسلحتهم دون تمييز، حتى قتل من المسلمين ربع مليون مسلم, وأرغموا أهلها على الهجرة الإجبارية.

ومن بعدها تم إدراج مسلمي القرم التتار في قائمة الأمم المتحدة للشعوب، باعتبارهم من الأمم المهددة بالانقراض، نتيجة لما يتعرضون له من ضغوط ثقافية وزواج مختلط وفقدان للقيم والتلاعب بمفاهيم الدين والتقاليد والعرف ثم أعلنت أوكرانيا استقلالها رسميًّا عن الاتحاد السوفييتي عام 1991، كما وافقت السلطات الأوكرانية بعد استقلال أوكرانيا -رسميًّا- إعطاء شبه جزيرة القرم حكمًا ذاتيًّا ضمن أوكرانيا وذلك في يونيو 1992, وعقد تتار القرم مؤتمرهم الأول في مدينة سيمفروبل عاصمة الإقليم وذلك في يونيو من العام نفسه، وأسسوا المجلس الأعلى للتتار القرم كممثل للشعب التتاري المسلم.

وفي هذا الإطار يرى رفعت تشوباروف زعيم تتار القرم في حواره مع "دويتشه فيلا" أن مخاوف تتار المسلمين في القرم من الانضمام الي روسيا عادت لتتجدد مرة أخرى، مؤكدا أنه قام بمناشدة التتار من أجل مقاطعة الاستفتاء نظرا لأنه غير شرعي و ضد القانون الأوكراني كما أنه أجرى حتى خلال دخول قوات احتلال أجنبية إلى القرم, مضيفا أن عواقب الاستفتاء ستكون أكثر صعوبة عليهم مما هي عليه اليوم خشية استغلال القيادة الروسية للاستفتاء .

كما أشار زعيم التتار الي أنهم مستمرون في مقاومة الاستفتاء ضمن الإطار القانوني الذي تم تعريفه من قبل المجتمع الدولي علي أن يتم تحريك آلياته بكل مظاهرها وعناصرها السياسية والاقتصادية والحقوقية مؤكدا على الاستمرار في العيش علي أرض بلادهم مهما حدث .

جدير بالذكر أن شبه جزيرة القرم يحدها من الجنوب والغرب البحر الأسود، ومن الشرق بحر آزوف، وكان اسمها فيما مضى "آق مسجد" أي "المسجد الأبيض"، قبل أن يستولي عليها الروس , وتبلغ مساحتها 150، 26 كيلو مترا أما المنطقة التي كانت تخضع لنفوذها فتبلغ أضعاف هذه المساحة، وينتشر فيها التتار، ثم انتشر فيها القواز حتى تخوم أوكرانيا، ثم تقلصت مع الزمن، حتى انحصرت في شبه الجزيرة.
الجريدة الرسمية