البحث عن ديموقراطية مصرية أصيلة !
يخيل لى أننا بعد ثورة 25 يناير والموجة الثورية الثانية في 30 يونيو ما زلنا لم نعثر بعد على صيغة معبرة لديموقراطية مصرية أصيلة لا تقنع بالأشكال الديموقراطية الزائفة وإنما تركز على المعانى العميقة للمشاركة الشعبية الحقيقية.. ولابد لنا أن نعترف بأن آليات الديموقراطية الغربية لا تعبر بالضرورة عن القيم الديموقراطية التي تعلى من شأن الإرادة الشعبية.
وأقصد بذلك تدخل عوامل سياسية ومالية وثقافية واجتماعية معقدة في عملية الانتخابات بحيث لا تأتى النتيجة – وسواء كانت انتخابات رئاسية أو برلمانية- معبرة عن الاتجاه الحقيقى للإرادة الشعبية.. ولا يحدث ذلك عندنا فقط ولكن يحدث في البلاد الديموقراطية الغربية أيضًا.. ولكى نثبت ذلك يكفى أن نلقى نظرة على الانتخابات الرئاسية الأمريكية من جانب، والانتخابات البرلمانية في إيطاليا من جانب آخر.
بالنسبة للانتخابات الرئاسية الأمريكية علينا أن نسأل سؤالًا رئيسيًا مَن يمول الحملات الانتخابية للمرشحين للرئاسة، وسواء كانوا ينتمون للحزب الديموقراطى أو للحزب الجمهورى والتي تصل لمئات الملايين من الدولارات؟
الإجابة رجال الأعمال طبعًا والشركات الكبرى.
وهذه الحقيقة التي تؤكدها الأدلة والبراهين تعنى أن أصحاب المصالح الاقتصادية الكبرى هم الذين يتحكمون فيمن سيكون رئيس الجمهورية الأمريكية.. ولو نظرنا نظرة مقارنة للرؤساء الجمهوريين والديموقراطيين لاكتشفنا أنه ليست هناك فروق جوهرية بينهم وخاصة في مجال سياسة أمريكا الخارجية! ففى كل العهود تورطت الولايات المتحدة الأمريكية في حروب استعمارية لقيت في بعضها هزائم عسكرية منكرة مثل هزيمتها في فيتنام، ومثل المصير المؤلم لقواتها العسكرية في العراق التي عجزت عن السيطرة على مقدرات البلاد لارتفاع معدلات المقاومة سواء كانت مقاومة وطنية أو مقاومة إرهابية!
أما حالة إيطاليا فتثير العجب حقًا لأنه في الانتخابات البرلمانية انتخب الناخبون "برلسكونى" وحزبه، مع أن هذا المليونير الشهير اشتهر بالفساد على كل الأصعدة لدرجة أدت إلى محاكمته بعد أن ترك الوزارة. في هذه الحالة الجماهير هي التي اختارته والسؤال لماذا مع كل شهرته الفاسدة؟ وهل هذا الاختيار يدل على اختيار صحيح أم اختيار خاطئ؟
هذه أسئلة يصعب الإجابة عنها، لأن آليات الديموقراطية التي يعبر عنها صندوق الانتخابات أصبحت هي السائدة على حساب القيم الديموقراطية، وأهمها التداول السلمى للسلطة والحوار، وعدم احتكار اتخاذ القرارات السياسية الكبرى في غيبة المعارضة.
ونحن الآن نؤسس – تنفيذًا لخارطة الطريق- لديموقراطية مصرية جديدة نتمنى أن تركز على قيم الديموقراطية وليس على آلياتها فقط كما هو حادث حتى الآن.
ودليلى على ذلك المناقشات العقيمة التي تدور في بعض الدوائر السياسية وخصوصًا في بعض الأحزاب السياسية وائتلافات الشباب حول الاعتراض على القانون الذي صدر مؤخرًا وفيه نص على تحصين قرارات اللجنة العليا للانتخابات. الغرض من هذا التحصين منع الجدل العقيم حول نتيجة الانتخابات، وقطع الطريق على الدعاوى القانونية ببطلان الانتخابات بما يهدد شرعية الرئيس المنتخب، ويفتح الباب أمام الدعاوى الكيدية مما يؤثر تأثيرًا خطيرًا على الاستقرار السياسي المطلوب بشدة في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ مصر.
ومن هنا يمكن القول إن حالة التشرذم السياسي السائدة الآن في مصر قد لا تعطينا الأمل في أن نتجاوز هذه المرحلة بسهولة حتى تتم الانتخابات الرئاسية وتليها الانتخابات البرلمانية، والتي سيعقبها تشكيل وزارة جديدة. ولا شك أن هناك تساؤلات شتى حول شكل البرلمان القادم وهل سيعبر فعلًا عن المصالح العليا للشعب المصرى أم أن الانتخابات ستتحكم فيها كالعادة مشكلات انعدام الوعى من ناحية وتزييف الأحزاب الدينية للوعى من ناحية أخرى بالإضافة إلى مشكلة التمويل غير المشروع والرشاوى الانتخابية استغلالًا للفقر المدقع.
وأيًا ما كان الأمر فلن يحدث استقرار سياسي للأسف الشديد إذا اكتفينا بالتركيز على آليات الديموقراطية بدلًا من الاهتمام الشديد ببلورة وتطبيق قيم الديموقراطية.