رئيس التحرير
عصام كامل

سجن الوطن لسه الأغانى ممكنة..العقاد: اعتبر خروجه من السجن ميلادًا جديدًا.. و«عالم السدود» ولدت في الزنزانة .. وإحسان اعتقل 3 أشهر.. فكتب «في بيتنا رجل» والسعدنى: السجن أهم تجربة في

فيتو

>> صنع الله: كتب أول أعماله على «شكائر الأسمنت» و«يوميات سجين الواحات» ملخص تجربة الاعتقال


المفكر والأديب عباس العقاد واحد من أبرز المفكرين الذين زُجّ بهم خلف القضبان، في قضية ذات صبغة سياسية، غير أنه لم يفوت تلك التجربة دون أن يستلهم منها صناعة عمل إبداعي خالد، حتى أن الكاتب الراحل أنيس منصور ذكر يوما: «قال لنا العقاد إنه في سجنه خطرت له أفكار كثيرة ».


العقاد دخل السجن لأنه سب الملك فؤاد، وكان للعقاد قصيدة طويلة لخص فيها معاناته بالسجن، الذي قضي فيه 9 أشهر، قال فيها: «وكنت جنين السجن تسعة أشهر... فهأنذا في ساحة الخلد أولد... وفي كل يوم يولد المرء ذو الحجة.. وفي كل يوم ذو الجهالة يلحِدُ».

كان لدخول المفكر والأديب عباس العقاد السجن قصة، ففي عام 1930، عندما تولى مصطفى النحاس الحكم، بعد فوز حزب الوفد في الانتخابات، كان العقاد أحد الذين نجحوا كنائب وفدي، ودخل مجلس النواب، وكانت هذه النتيجة بمثابة صدمة للملك فؤاد في ذلك الوقت، فما كان من الملك إلا أن قام بتعطيل مشروعات القوانين التي شرعت الوزارة في تقديمها إلى الملك لتوقيعها، لذا قدم النحاس استقالته في جلسة حماسية بمجلس النواب، وكانت هذه الجلسة عاصفة، حيث أعلن النحاس ثقته بالوزارة.

كان العقاد ثائرا في هذه الجلسة، حيث قال - حسب ما جاء في كتابه «عالم السدود والقيود» - كلمته المشهورة في لهجة حماسية: «أن المجلس مستعد أن يسحق أكبر رأس في البلاد- في إشارة إلى الملك- في سبيل صيانة الدستور وحمايته»... وقد نشرت هذه العبارة في الصحيفة التي يملكها حزب الأحرار الدستوريين، وهي صحيفة «السياسة»، بطريقة مثيرة، فما كان من الملك إلا أن ثار، ولكنه لم يستطع محاسبة العقاد لأنه كنائب يتمتع بالحصانة البرلمانية.

بعد بضعة أشهر من هذه الواقعة سنحت فرصة الانتقام للملك فؤاد من عباس العقاد، فقدمته النيابة للمحاكمة في 12 من أكتوبر العام 1930، وكان السبب كتابته عددًا من المقالات في جريدة «المؤيد» يهاجم فيها الحكومة ونظام الحكم والرجعية ويدافع عن الدستور وحكم على العقاد بالسجن 9 أشهر قضاها في سجن مصر، حيث دخل السجن في 13 أكتوبر العام 1930، وخرج في 8 يوليو العام 1931.

لم يكن السجن للعقاد محنة كاملة، بل إنه كتب مشاهد عن حياته في السجن وصور مشاعره في كتاب «عالم السدود والقيود»... ووضع فيه خلاصة ما شاهده وأحسه داخل سجن مصر، صورة أخلاق النزلاء وأساليبهم في التعامل والتهريب ولغاتهم الخاصة التي لا يفهمها غيرهم، ولم ينس العقاد تصوير السجن والقائمين عليه من رجال الضبط والربط.

أما قصة الكاتب الصحفي إحسان عبد القدوس مع السجن، فكانت في عام 1945 عندما كتب «إحسان» مقالًا ضد السفير البريطاني بعنوان «هذا الرجل يجب أن يذهب»، وكان «محمود فهمي النقراشي» رئيسا للوزراء، فصادر «روزاليوسف» وأمر بوقف إحسان وأودع سجن الأجانب، وشهد مكتب وكيل النيابة مناقشة حامية بين الأم «روزاليوسف» والابن «إحسان عبد القدوس»... كل منهما يريد أن يتحمل مسئولية المقال.

انحاز «إحسان» إلى الديمقراطية البرلمانية بحسب حوارات أجراها الكاتب والروائي «يوسف القعيد» مع الراحل إحسان عبدالقدوس وثار بعنف على ضرب الدكتور «عبد الرازق السنهوري» في مكتبه بمجلس الدولة وذهب لزيارته في بيته، وكتب 3 مقالات لمجلة روزاليوسف تحت عنوان «الجمعية السرية التي تحكم مصر»، فاقتيد إلى زنزانة انفرادية في السجن الحربي من يوم 29 أبريل العام 1954 حتى 31 يوليو من العام نفسه، وكان قد طالب بضرورة خروج جمال عبدالناصر وزملائه الضباط من الجيش وإعادة الحياة النيابية «كضمان لحياة سياسية مستقرة».

كان يوم دخول«إحسان» السجن الحربي نهاية لصداقته لضباط ثورة يوليو ونهاية لتأييده لما قاموا به، لكن لم تنقطع إبداعاته الأدبية التي خرجت في رواية «في بيتنا رجل» و«لا تطفئ الشمس» فضلًا عن مقالته السياسية، وعندما خرج «إحسان» من السجن الحربي صباح يوم 31 يوليو 1954، وما أن وصل إلى بيته ليجد التليفون يحمل إليه صوت جمال عبدالناصر يضحك ويقول له: «هيه اتربيت ولا لسه يا إحسان» طيب تعال افطر معايا، ما تتأخرش أنا منتظرك».

أما الكاتب الساخر محمد السعدني فقد سُجن 3 مرات، وعن محبسه في سجن القناطر... ذكر السعدني... في 16 ديسمبر العام 1971 «حملتني سيارة مع بعض المحكوم عليهم إلى سجن القناطر، وهو سجن أكثر قسوة من سجن الباستيل، لأنه خداع، مظهره من الخارج يوحي بأنه مكان شاعري يصلح لتجول العشاق والمحبين، فأشجار السرو العالية تخفيه عن العيون وأشجار الجميز العتيقة تحف به من كل جانب، والرياح المنوفي يتهادى تحت أقدامه»، وأخذ يزيد في وصف السجن فقال: «لكن الذي يلج البوابة الخارجية سيجد نفسه فجأة في مكان أشبه بمعسكرات الاعتقال، أسوارغليظة تعزل السجن عن العالم، وأبراج حراسة مزودة بالكشافات، والحراس مزودون بالمدافع الرشاشة، وفي فناء السجن يتجول الحراس»..

ويذكر الكاتب الساخر محمود السعدني: على أي حال لقد ترددت على السجون 3 مرات، وعندما استقبلني الشاويش عبدالقادر في سجن القناطر آخر مرة صاح في وجهي بانفعال صادق «إيه ده يا بيه... انت جيت تاني... انتوا بقيتوا عاملين زي الحرامية، ساعات بيخرجوا، لكن دايما بيرجعوا تاني!».

ويحكي الروائي صنع الله إبراهيم عن فترة دخوله السجن التي كان يصفها بأنها أخطر وأهم تجربة في حياته قائلًا«هذه التجربة جعلتني أفكر كثيرا جدا وأتساءل: إلى أي مدى يمكن أن نقاوم ونصمد؟، وبدأت أشعر بأن هناك شكلا من الأشكال المهمة للتعبير عن النفس وهو الكتابة، وبدأت أشعر بأنني سأكون أكثر حرية لو كتبت، فأقول أشياء لا يستطيع الإنسان أن يقولها».

اعتقل صنع الله إبراهيم عام 1959، وكان عمره آنذاك 20 عامًا، وبالرغم من قسوة السجن بدأ إبراهيم محاولات الكتابة حيث قال: «بدأت أحاول أن أكتب، وكنا نحضر ورق شكائر الأسمنت ونقطعه أجزاء، وعندما تحسنت الظروف، أصبح هناك تهريب للورق والكراميل، ثم تهريب ورق البفرة».

كانت الكتابة داخل السجن بالنسبة لصنع الله إبراهيم معضلة، حيث كان يقول عن ذلك في لقاءاته «الموضوع بالنسبة لي لم يكن سهلا، فأنا أريد أن أكون كاتبا ولكن ماذا أكتب وكيف ولمن، وأذكر أنه في العام 1959 وحتى 1962، كانت فترة حية جدا وبها متناقضات كبيرة جدا، فمثلا كان هناك إدانة لانصياع الفرد كليا خلف الاتحاد السوفيتي وكانت الصحف متبنية فكرة الواقعية الاشتراكية ودور الفنان وضرورة التزامه، وقد لخص صنع الله تجربته في السجن في مذكراته «يوميات سجين الواحات».
الجريدة الرسمية