رئيس التحرير
عصام كامل

انتخابات الرئاسة والصراع السياسي في مصر


ينتظر الجميع بفارغ الصبر انتخابات الرئاسة في مصر وهي جزء من استكمال خارطة الطريق التي انتهت خطوتها الأولى بوضع الدستور والموافقة عليه بأغلبية ساحقة من المصريين.. وها قد صدر قانون انتخابات الرئاسة الذي انتقد الكثيرون فكرة حصانة اللجنة المشرفة على تلك الانتخابات، وعدم إمكانية تقديم أي طعون قضائية لأي جهة قضائية أخرى خارج اللجنة.. واقتصر الأمر على تقديم الطعن للجنة نفسها.


وكان يمكن إجراء تعديل قانوني ليسمح بالطعن أمام أي جهة قضائية على سبيل المثال مجلس الدولة والبت فيه في وقت محدود. 

ويحيط بتلك الانتخابات مناخ من التشكيك المتبادل، والأسئلة التي باتت مكررة، وأغلبها حول ترشح المشير السيسي وزير الدفاع من عدمه والتأخر في إعلان موقفه حتى الآن وأصبحت مسألة ترشيحه شبه محسومة، ثم ترشح حمدين صباحي الحائز على المركز الثالث في الانتخابات الرئاسية السابقة، وما شهدناه من اتهامات بين أنصار صباحي وأنصار السيسي.

ولذلك هناك عدد من الملاحظات أهمها:
أولا: المشير السيسي قدم خدمة جليلة لهذا البلد في 3 يوليو وكان قرارا جريئا بمساندته لإرادة الشعب المصري في 30 يونيو ضد حكم الإخوان وممثلهم الرئاسي المعزول، وفي كل الاختبارات التي مرت بها المؤسسة العسكرية كانت مساندة لخيارات الشعب دائما، وهو كما ظهر في 25 يناير 2011 حيث تخلي قادة الجيش المصري عن مبارك مما أجبره على التنحي والابتعاد عن الحكم وهو الذي ظهر في يونيو أيضا، ولولا ذلك لدخلت البلاد في بحور من الدماء بسبب مشروع الإخوان التمكيني، والتي كانت على استعداد للاستمرار في السلطة على دماء الملايين من المصريين.

ترشيح السيسي نفسه في انتخابات الرئاسة لا يعني أن المؤسسة العسكرية هي التي تحكم بل أنه سيكون قد استقال من منصبه ورشح نفسه كشخصية مدنية ذي خلفية عسكرية ووقتها سيكون من حقه كما من حق أي مواطن مصري الترشح، هذا لا يعني أن المؤسسة العسكرية ليست طرفا في اللعبة، لأنه بمساندتها الشعب وتولي المجلس العسكري المسئولية عقب تنحي الرئيس المخلوع مبارك أصبحت طرفا بالفعل ولن يجدي تجاهلها، وهي طرف أساسي منذ ثورة 23 يوليو لأنها تمثل آمال الشعب المصري ولأنها جزء منه، فالجيش يمثل عمود الدولة الوطنية وهو أحد المؤسسات الباقية على تقاليدها الوطنية والعسكرية في كونها تضم أبناء الشعب وليست وقفا على طائفة دون غيرها.

لكن المحظور هو تورط المؤسسة العسكرية بشكل مباشر في إدارة الدولة وتجاهل القوى السياسية الأخرى المدنية والثورية وهو ما لم يحدث.. فكل الخطوات التي أعقبت 30 يونيو كانت بتوافق بين المؤسسة العسكرية وتحالف 30 يونيو إلى جانب التيار السلفي الذي مثل أحد أطراف التيار الإسلامي.

وترشيح السيسي إذا حدث بالفعل، سيكون قد رشح نفسه باعتباره شخصا ذا خلفية عسكرية، وسيكون مرشحا رئيسيا له فرص كبيرة في الفوز، لكن عليه أن يقدم برنامجا وتصورا واضحا للناخبين والقوى السياسية المختلفة للتعرف على انحيازاته السياسية والاجتماعية وليعرف الناخب ما هي تصورات السيسي كمرشح لحل الأزمات الطاحنة التي تواجهها الدولة المصرية، مثله كالمرشحين الآخرين الذين عليهم تقديم برامج وتصورات محددة لهذا البلد.. ولا يجب أن يظل البعض منا موهوما بفوبيا العسكر، ويتبني شعارات الإخوان الذين استخدموا القوى الثورية في تهديد المجلس العسكري وقاموا هم بالتنسيق معه وركبوا على الثورة.

ثانيا: لا أري هناك سببا في الهجوم على ترشح حمدين صباحي في تلك الانتخابات، أو الفريق سامي عنان رئيس الأركان الأسبق، والذي يسعى للترشح، رغم تحفظي على أدائه في فترة إدارة المجلس العسكري لأمور الدولة بعد تنحي الرئيس الأسبق، ولا أظن أن موقفه سيؤدي إلى إحداث مشكلة داخل المؤسسة العسكرية.

لأن الانتخابات تفترض أن تتم في مناخ تنافسي بين مرشحين أقوياء وبرامج سياسية تسعى للخروج بمصر من مأزقها الاقتصادي الذي تعيش فيه والخروج من بقايا بالوعة جماعة الإخوان الإرهابية التي تستكمل مشروع انتحارها السياسي في مواجهة الدولة والشعب المصري بسبب ما ترتكبه من جرائم يومية ضد الشعب المصري.. وأرى أن وجود مرشحين أقوياء سيؤدي إلى أن تعكس الانتخابات بدائل متنوعة والتنوع جزء من التحول الديمقراطي.

ثالثا: على القوى السياسية المختلفة وخاصة القوى المدنية أن تسعى للعب دور في هذه الانتخابات بأن تنزل للمواطن وتحسم أمرها بعد إغلاق باب الترشيح بتأييد مرشحها الرئاسي واستغلال هذه الفرصة للتمهيد للانتخابات البرلمانية، لأن هذه القوى لا تزال بعيدة عن القيام بدورها الحزبي والسياسي وسط الناس ولم يزل هناك فراغ موجود بالشارع المصري يمكن أن تملأه قوى محافظة أو متشددة سياسيا ودينيا.

رابعا: إذا كان البعض متحفظا على قانون انتخابات الرئاسة فليس من الصعب تعديله ومراجعة تحصين اللجنة المشرفة على انتخابات الرئاسة وهناك كثير من الحلول القانونية والتشريعية التي يمكن اتباعها لضمان حسن أداء اللجنة لواجبها ووجود هيئة قضائية يمكن تقديم أي طعون بخصوص هذه الانتخابات.

الجريدة الرسمية