رئيس التحرير
عصام كامل

آفة بلدنا الإهمال !


لا يمر يوم واحد دون أن نري صورة من صور الإهمال، والغريب أن الدهشة تصيبنا وكأن هذه الصورة لم نرها من قبل، وكأن هذه الدهشة لم تصبنا من قبل، وبسرعة ترتد الذاكرة إلى الماضي البعيد والقريب لندرك أننا لم نتحرك خطوة إلى الأمام رغم تقدم الزمن وتطور الحياة، ودعونا لا نذهب بعيدا ونرصد بعض ما حدث هذا الأسبوع قبل أن يطويه النسيان كما قال أديبنا الكبير نجيب محفوظ ( آفة حارتنا النسيان ) .


منذ متى وأجهزتنا المعنية تتحدث عن الاستعداد التام لمواجهة السيول الموسمية- والموسمية تعني أنها في وقت معلوم – ومع ذلك وقع ما يقع كل عام دون تغيير.. جرفت السيول المنازل وأغرقت آلاف الأفدنة من الأراضي الزراعية وأغلقت مئات المدارس وشلت حياة الناس ولم يختلف الأمر بين القرية والمدينة وبعض المنشآت المدنية السيادية في الغردقة، وكالعادة خرجت التصريحات من أرشيف المسئولين كما هي دون تغيير، وتعالت الصيحات طلبا للتعويضات التي تدفعها الحكومة كل عام بسبب الأمطار والسيول للمتضررين !! حتى ونحن نعاني من فقر مائي يدخل في إطار الأمن القومي لمصر ما زلنا عاجزين عن الاستفادة من مثل هذه المياه فضلا عن فشلنا في احتواء مشاكلها المتكررة !!

هل نسينا أحداث كارثة صخرة المقطم التي قامت الدنيا بسببها ولم تقعد في حينها ؟ هل نسينا كلمات الغضب وحالة الحنق الشديد بسبب الضحايا الذين طمرهم ركام الصخور وغيبهم الموت وهم نيام ؟ هل نسينا ما قاله المسئولون عن تطوير المنطقة وتقنين أوضاع سكانها ؟ الحقيقة لم ينس أحد.. لكن الجميع أهمل وكفى بالإهمال سببا!

فقدت الطفلة البريئة هايدى حياتها بسبب سقوط البوابة الحديدية عليها وهي تدخل مدرستها بعد إجازة نصف العام الطويلة وانبري المسئولون بجرأة ممجوجة لتبرير الحادث وتحميله للبواب وتناسوا تصريحات صدعوا بها الرءوس أن إجازة نصف العام كانت فرصة للصيانة والتجهيز الجيد لبدء الدراسة في التيرم الثاني واستعداد المدارس لاستقبال طلابها فتكون نتيجة الاستعداد سقوط طالب الإعدادي في إحدى مدارس مغاغة بالمنيا في بيارة للصرف الصحي في فناء المدرسة قال عنها عمدة القرية إنها قديمة وعمقها يزيد على 25 مترا، ومغطاة بغطاء خشبي قديم، وأضاف بكل فخر أن المسئولين متواجدين ولم يتأخروا عن تشييع الجنازة والعزاء لأن الحادث قضاء وقدر !!

حوادث الطرق - بلا فخر - تضع مصر في المرتبة الأولي عالميا فيفقد 13 ألف شخص حياتهم سنويا غير المصابين.. ضحايا يزيد عددهم على ضحايا الإرهاب والحروب وبحساب أبسط.. قتيل وأربعة مصابين كل ساعة..!! نزيف الأسفلت لا ينقطع وسيل التصريحات لا يتوقف وبينهما ضحايا يتساقطون ويتحولون بعد ساعات إلى أرقام يتداولها الباحثون ومانشيتات يكتبها الصحفيون !!

ولا يتوقف الأمر عند هذا فقط بل يطالب المسئولون بقوانين رادعة وتشريعات جديدة تعينهم على ضبط الطرق وإنفاذ القانون على المخالفين، وساعات تمر وينتهي الأمر.

هل نسينا الكلام عن سيارات النقل البطيء والمقطورات وعفاريت الإسفلت ( الميكروباصات ) ؟ هل أصبحت صور ضحايا حوادث الطرق مثل صور إعلانات الطرق الاستهلاكية ننساها بعد أن نمر عليها ؟ الحقيقة لم ننس.. لكنا تعودنا !!

الإهمال صار سيد الموقف، وبات أخطر أشكال الفساد فالذي يهمل عمله والذي يهمل متابعة مرؤوسيه والذي يهمل في إصدار قرار ضروري ومطلوب.. والذي يغض الطرف عن تطبيق القانون هو فاسد بكل معني للفساد الذي تتعدد صوره وأشكاله.. فكما يقتل الإرهاب.. يقتل الإهمال وربما بشكل أكبر وحادثة واحدة كتلك التي راح ضحيتها أكثر من 24 مواطن غير المصابين تؤكد هذا المعني !

إذا كنا لا نستطيع التخلص من آفة النسيان لأنه طبع بشري وقد يكون فيه رحمة.. فلنسعى للتخلص من آفة الإهمال التي أصبحت سمة من سمات بلدنا.. والله من وراء القصد. 
Elazizi10@gmail.com
الجريدة الرسمية