جاهلية سيد قطب
في مقدمة كتابه الأشهر "في ظلال القرآن"، نظر سيد قطب إلى نفسه ثم إلى العالم، فجعل نفسه في مكانة عالية سامقة لا يقترب منها بشر، وجعل العالم كله أسفله، فقال "عشت في ظلال القرآن أنظر من علو إلى الجاهلية التي تموج في الأرض، وإلى اهتمامات أهلها الصغيرة الهزيلة، أنظر إلى "تعاجب" أهل هذه الجاهلية بما لديهم من معرفة الأطفال، وتصورات الأطفال، واهتمامات الأطفال، كما ينظر الكبير إلى عبث الأطفال، ومحاولات الأطفال".. كشف قطب في مقدمته عن غروره وتعاليه، ثم كشف عن رؤيته للعالم كله، شرقه وغربه مسلمه وكافره، هو عند نفسه يجلس في مكان مرتفع، وكل البشر من دونه كالأطفال، حضارات العالم وثقافته، وتصوراته هي تصورات جاهلة كتصورات الأطفال.
كانت تلك هي النفسية التي صاغت نظرية الإسلام السياسي، نفسية متعالية حاقدة على البشرية كلها، ثم إذا بقطب يسترسل عن العالم كله قائلا: "نحن اليوم في جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الإسلام أو أظلم.. كل ما حولنا جاهلية.. تصورات الناس وعقائدهم، عاداتهم وتقاليدهم، موارد ثقافتهم، فنونهم وآدابهم، شرائعهم وقوانينهم.. حتى الكثير مما نحسبه ثقافة إسلامية، ومراج إسلامية، وفلسفة إسلامية، وتفكيرًا إسلاميًا.. هي كذلك من صنعت هذه الجاهلية)..
هكذا كان قطب يرانا، كلنا أهل جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الإسلام في بدايته، حتى ما نظن أنه فكر إسلامي أو ثقافة إسلامية هو عند قطب جاهلية!
ثم يستطرد قطب قائلا: (ولكن ما هو "المجتمع الجاهلي"؟ وما هو منهج الإسلام في مواجهته ؟ إن المجتمع الجاهلي هو كل مجتمع غير المجتمع المسلم! وإذا أردنا التحديد الموضوعي قلنا: إنه هو كل مجتمع لا يخلص العبودية لله وحده.. متمثلة هذه العبودية في التصور الاعتقادي، وفي الشعائر التعبدية، وفي الشرائع القانونية.. وبهذا التعريف الموضوعي تدخل في إطار "المجتمع الجاهلي" جميع المجتمعات القائمة اليوم، في الأرض فعلًا)..
يضع قطب بكلامه هذا تعريفا يجعل من كل مجتمعات الدنيا ـ بما فيها مجتمعات المسلمين ـ مجتمعات جاهلية، وحين يتحدث عن الإسلام يقول (إنه غير موجود منذ قرون كثيرة، فقد طُمس الحق، وأصبحت القضية ليست هي غياب الجهاد، ولكن القضية هي غياب الإسلام ).
هذه هي الركائز التي أقام عليها قطب فكره، أما سبب كل ما انتهى إليه هو أنه يعتبر أن البشرية تتحاكم إلى غير ما أنزل الله، وأن الحاكمية هي المعيار الذي يجعل من هذا مسلما وذاك كافرا، إن قول قطب في هذا الصدد يحمل تكذيبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي قال:" إن الله يبعث على رأس كل مائة عام من يجدد للأمة أمر دينها"، الرسول هنا يخبرنا بأن الإسلام لن يغيب أبدا، وأنه سيظل قائما، وأنه كلما استجدت أحداث تجعل من الضروري تجديد فهمها للدين، أرسل الله لها من يقوم بهذا الأمر، ثم كيف يستقيم قول قطب بغياب الإسلام منذ قرون والرسول هو خاتم النبيين، ذلك أنه عندما يطمس على الحق يرسل الله للبشرية رسولا يعيد الحق لها مصداقا لقوله "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا"، وطالما أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين، إذًا يجب أن يظل الحق قائما لا يغيب عن الأمة أبدا.