رئيس التحرير
عصام كامل

مسيرة كيرلس السادس من عزبة النصارى إلى بابا الكنيسة.. ارتبط منذ صباه برجال الكهنوت والرهبان.. دقت له أجراس الكنائس بوادي النطرون.. ومات عن العالم لكن العالم أبى موته عنه

البابا كيرلس السادس
البابا كيرلس السادس بابا وبطريرك الكرازة المرقسية

مات عن العالم لكن العالم أبى موته عنه، وأعاده على رأس الكنيسة المرقسية بابا وبطريركًا بعد أعوام عديدة قضاها داخل طاحونة مهجورة بمنطقة مصر القديمة، إنه البابا كيرلس السادس بابا وبطريرك الكرازة المرقسية الـ 116 في تعداد بطاركة الكنيسة الأرثوذكسية.


ولد البابا كيرلس السادس، بقرية طوخ النصارى بمدينة دمنهور بمحافظة البحيرة، في 2 أغسطس عام 1902، باسم عازر يوسف عطا، من أسرة أرثوذكسية تلتصق بالكنيسة، ارتبط منذ صباه برجال الكهنوت والرهبان الذين عرفهم من خلال زياراتهم لوالده في المنزل.

وشبّ عازر وأنهى دراسة الثانوية العامة "البكالوريا وقتئذ"، وراح يعمل بإحدى شركات الملاحة بمحافظة الإسكندرية عام 1921، واتسم بالأمانة والإخلاص، ولم يؤثر عمله على انضباطه في العمل الخدمي بالكنيسة، والذي وصل به الحال إلى درجة الزهد قبل أن يترك بيت عائلته، فكان دائم الصوم والصلاة، وكان يترك فراشه لينام على الأرض.

واعتزم ( البابا كيرلس ـ عازر سابقاَ) الرهبنة والتوحد فقدم استقالته في يوليو عام 1927، رغم محاولات صاحب الشركة الإبقاء عليه، وحاول شقيقه الأكبر إثناءه عن الرهبنة إلا أن بطريرك الكنيسة وقتها الأنبا يؤانس البابا الـ 113 ساعده، أوفد معه الراهب القس بشارة البرموسي (الأنبا مرقس مطران أبو تيج المتنيح)، ليصطحب عازر إلى دير البراموس بوادي النطرون.

وحينما وصل الدير استقبلوه بأجراس الكنائس وفتح قصر الضيافة وكان أول مستقبليه القمص شنودة البرموسي أمين الدير، لاعتقادهم أنه من كبار الزوار ومرتادي الدير، وبعد معرفة نيته في الرهبنة نال أول درجات السلك الرهباني.

وكان "البابا كيرلس" يتتلمذ على يد القمص عبد المسيح صليب، والقمص يعقوب الصامت أحد شيوخ الرهبنة بالدير آنذاك، ولم يمر سوى عام ليتم رسامته راهبًا بدير البرموس في 25 فبراير 1928، وحال سيامته سمع دعًاء من القمص الصامت يقول:" سِر على بركة الله بهذه الروح الوديعة الهادئة وهذا التواضع والانسحاق، وسيقيمك الله أمينًا على أسراره المقدسة، وروحه القدس يرشدك ويعلمك"، وكأنها تنبؤات ليصبح بابا الكنيسة ورأسها.

ومن ثم التحق بالمدرسة اللاهوتية، ورسمه الأنبا يؤانس قسًا في يوليو سنة 1931، وحينما سمع بنبأ ترشيح الأنبا يؤانس البطريرك وقتها له ليكون أسقفًا هرب إلى دير القديس الأنبا شنودة رئيس المتوحدين بسوهاج، ولما عاد كأمر البطريرك كاشفًا برغبته في الوحدة فصرح له بتحقيق رغبته تحت إرشاد شيخ الرهبان عبد المسيح المسعودي فتوحد في مغارة تبعد عن الدير مسافة ساعة سيرًا على الأقدام.

ولا سيما أن اشتياقه للتوحد كان شغله الشاغل، راح يزور إحدى مغائر المتوحدين بالجبال وهو القمص صرابامون المتوحد ليتتلمذ على يده مبادئ التوحد، وطلب من الأنبا يؤانس البطريرك وقتها أن يأذن له بالوحدة في إحدى المغائر، وحينما قام البطريرك بزيارته عام 34 أعجب بفكره وعلمه وروحانياته.

وقدر له أن ينزل المدينة بعد موته بالرهبنة والتوحد، فإذا برئيس دير البرموس وقتئذ طرد سبعة رهبان من الدير، وحينما علم البابا كيرلس الراهب مينا البراموس بعد الرهبنة، خرج مع الرهبان السبعة وعاد معهم للقاهرة، وظل يخدمهم حتى التقوا البطريرك الأنبا يؤانس الذي أمر بعودتهم إلى الدير، ولكن الراهب مينا البراموسي (البابا كيرلس فيما بعد) أراد أن يقطن بإحدى طواحين الهواء في منطقة مصر القديمة ( وهي كنيسة الطاحونة بمصر القديمة )، واستاجر الراهب مينا الطاحونة من الحكومة مقابل ستة قروش سنويًا وذلك في 23 يونيو عام 1936.

وباتت المنطقة المهجورة والصحراء يدوي فيها صوت صلوات وتسبيح هذا الراهب الذي أصبح فيما بعد بطريرك الكنيسة كلها، وبدأ المواطنون يتوافدون على الطاحونة لنوال البركة والصلاة مع الراهب مينا البراموسي، مما أغضب العديد من اللصوص وقاطعي الطرق الذين كانوا يستترون في محيط تلك الصحراء وقتها، مما دفعهم لمحاولة سرقته، فاعتدوا عليه بضربة قاسية أدت إلى نزيف من رأسه.

وحينها زحف الراهب مينا البراموسي إلى صورة لشفيعة ( الشهيد مارمينا العجائبي ) ليصلي أمامها، وحدثت المعجزة فتوقف النزيف وعاد معافى، ويقال بأن أثر اعتداء اللصوص ترك أثرًا في جبهة البابا كيرلس حتى نياحته ( وفاته ).

وحال قيام الحرب العالمية الثانية، طالبه الإنجليز بمغادرة الطاحونة خشية أن يكون جاسوسًا عليهم، وراح ليسكن فرنا بكنيسة العذراء مريم في بابلون الدرج.

وأسندت له رئاسة دير الأنبا صموئيل بجبل القلمون في مغاغة بمحافظة المنيا عام 1944، وأعاد إعمار الكثير فيه والتف حوله شعب المنطقة كلها، مما أدى إلى زيادة الرهبان وازدهار الدير، ودشن كنيسة الدير ببلدة الزورة التابعة لمركز مغاغة، مما دفع الأنبا أثناسيوس مطران بني سويف وقتها لمنحه رتبة القمصية.

ونظرًا لحبه الجم للشهيد مارمينا، استطاع بناء قلاية وكنيسة باسم مارمينا بمصر القديمة عام 1949، ورسم شقيقه القمص ميخائيل يوسف على  كنيسة مارمينا.

إلى أن اختير للباباوية فكان ترتيبه بين المرشحين السادس، وكان على لجنة الترشيح حسب لائحة السبت 2 نوفمبر 1957 أن تقدم الخمسة رهبان المرشحين الأوائل للشعب، وفي اللحظات الأخيرة للتقدم بالخمسة الأوائل، أجمع الرأي على تنحي الخامس، وتقدم السادس ليصبح الخامس هو البابا كيرلس.

وكان حاصلا على أقل الأصوات في الانتخابات، إلا أن القرعة الهيكلية التي تمت خلال صلاة قداس القرعة يوم الأحد 19 إبريل 1959 جاءت به ليكون بابا الكنيسة المصرية.

واعلتى البابا كيرلس السادس السدة المرقسية من إبريل 1959وحتى نياحته مارس 1971، ليخدم الكنيسة وهو على رأسها طيلة الـ 12 عامًا، ويأتي الوقت وتحتفل به الكنيسة اليوم بمرور 43 عامًا على نياحته ( وفاته).
الجريدة الرسمية