لعبة توزيع الأدوار السياسية
أعاد المستشار الألمانى الأول لألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، كونراد أدناور، أسرى الحرب من الألمان من معسكرات قمعهم بالاتحاد السوفييتى فى العام 1956، وكان يُنظر إلى تلك الخطوة على أنها خُطوة تدل على جُرأة شديدة لأدناور، وحينها قال الرجل إن "السياسى الجيد، لا يجب فقط أن يكون صاحب رؤية وذكاء، لكن يجب أن يكون شُجاعا أيضا".
وفى إطار ما نحياه اليوم فى مصر، لا نرى رؤية أو ذكاء أو شجاعة، لأي من ساسة المُعارضة المصرية، رغم أن الساحة تستلزم تلك الروح وبقوة، بل إننا وجدنا فى الأسبوعين الأخيرين تراجعا منهم يتوافق مع سياسة الإخوان من خلال اتفاق جبهة الإتقاذ مع حزب النور، وكأن القائمين على تلك الجبهة يتصورون أن المعارضة تتمثل فقط فى كونها توصف بالمُعارضة، دون فعل حقيقى يؤدى إلى ذلك!!
وقد أضحى الأمر واضحا بأنه "لعبة لتبادل الأدوار"، فمن يمتلك السلطة بصفة عامة فى السياسة، يُهاجم خصومه إما بشكل مباشر أو بشكل ضمنى، فأما من يُهاجمه بشكل مباشر، فهو الذى يرى فيه بديله الممكن الذى يمكنه التفاهم معه مستقبلا، والذى يهاجمه بشكل ضمنى، هو غريمه الشرس الثابت على رأيه دونما تلون.
ولذا، نرى أن صوت الإخوان يعلو تجاه جبهة الإنقاذ (التى تحالف أغلب قادتها فى الماضى وإلى وقتٍ قريب، مع الإخوان) بينما الهجوم على الفريق شفيق، يتم ضمنيا ومن خلال أطراف ثانوية، مثل المحامى الإخوانى حقيقةً، عصام سلطان.
ورغم تراجع دور الفريق شفيق ووجوب تقديمه تفسيرا حول سبب غيابه عن الساحة المصرية بهذا الشكل الغريب، فإنه ثابت على موقفه فى مُهاجمة الإخوان بأسانيد قوية، تهزهم بالفعل، لكن إن هاجموه هجوما قاسيا سيُقبل عليه الناس، وهو الأمر الذى لا يريدون حدوثه، فهم يرتاحون أكثر لمن يتوافق معهم، مثل جبهة الإنقاذ التى تنازلت تقريبا عن كل مبادئها لصالح الإخوان فى إطار اتفاقها مع حزب النور.
والآن، لا يُمكن فهم هجوم المدعو محمود شعبان (صاحب المقولة الشهيرة "هاتولى راجل" والمحسوب على معسكر الدفاع عن الإخوان ومرسى) على الجبهة وقوله باستباحة "قتل أعضائها، لأنهم يبحثون عن السلطة بوضوح ويريدون إحراق مصر"، إلا فى إطار لعبة توزيع الأدوار!!
فلقد وقعت جبهة الإنقاذ اتفاقا مع حزب النور، يؤكد الحفاظ على دستور مُرسى، وإجراء تحقيق فقط لمعرفة من قتل المُتظاهرين فى الفترة من 24 يناير الماضى، وتوقفوا عن المطالبة بإسقاط كل الدستور المعيب، ولم يطالبوا قط بسقوط مرسى، وهذا على عكس ما فعلوا تجاه مبارك، لأقل من تلك الأفعال التى قام بها مرسى!!
وعليه، فإن ما قام به محمود شعبان على أنه هجوم على الجبهة، ما هو إلا محاولة منه لمساعدتهم لاستعادة دورهم بعد أن سقطوا من أعين المصريين، وصراخ أعضاء الجبهة فى هذا الخصوص، إنما هو إشعار للناس بأنهم مُستهدفين وكأنهم يهددون كيان الإخوان حقا!! ولكنه فيلم بتمثيل ركيك منهم جميعا، والدليل أن محمود شعبان تراجع عن فتواه ونفاها رغم أنها مُسجلة، فلقد أدت الغرض منها، فى أن أعادت مُمثلى الجبهة إلى الأضواء، رغم أن هذا لن يُغير من نظرة الناس لهم كثيرا!!
إن المسألة برُمتها ما هى إلا تمثيليات لتوزيع الأدوار، لحماية مرسى من السقوط المحتوم أو خلق بديل له، متوافق مع توجهات الإخوان، كما يظهر من الجبهة التى تُريد أن تنقذ الإخوان!!
والله أكبر والعزة لمصر، وتبقى مصر أولا دولة مدنية.