أول امرأة في حياتي
سألت مجلة الاثنين في عددها رقم 668 الصادر بتاريخ 1947 عددا من الأدباء عن ذكرى الإنسانة الأولى في حياة كل منهم.
كانت ميكروبا بسيطًا!
قال الاستاذ توفيق الحكيم: إذا كان المقصود بدخول المرأة في حياة الرجل هو ذلك الدخول الذي يحدث أثرًا في كيانه وحياته، كما يحدث "الميكروب" أثرا عند دخوله في جسمه وامتزاجه بدمه فإنى، لحسن الحظ أو لسوئه، لم ينفذ إلى حياتى هذا الميكروب القوى النفاذ أما الميكروبات السطحية التي تلتصق بالجلد وتمر به مرور الكرام فإنها بالطبع مما يتعرض له كل رجل ولكن تأثيرها سطحى مثلها بغير نزاع.. وقد لا أكون شخصيا متأثرا بهذه الميكروبات على أن هذا لا يمنع أننى حامل لها وأنقل عدواها للقراء.. ولا شك أن الكثير منهم قد وقع بسببى فريسة هذا الميكروب.. ولا شك أيضا في أن الكثير منهم قد فهمه بالمعنى العلمى الحديث للميكروب في عالم الطب، أي على أنه مناعة للنفوس، ودواء لأى داء، كما هو مثلًا شأن البنسلين.
صوت جارة الصبا
قال الأستاذ أحمد الصاوى محمد: كان صوت امرأة أول ما كان من امرأة في حياتى! كانت تغنى ونحن جيران فتحمل أمواج صوتها إلى قلبى خفقاته الأولى.. لقد تمنيت إذ سمعتها أن ترتبط حياتى بحياتها.. غير أنى كنت حدثا سخر أهله من حبه، وعدوه نزوة صبا لا يمكن أن تؤدى إلى زواج.. ولو أنهم رضخوا لى لكنت الآن أبًا لنصف دستة من الأولاد.. ولكان ضجيج الخلف الصالح قد غطى على صوت الحرم المصون.
امرأة لم أعرفها!
قال الأستاذ كامل الشناوى: وهل استطاع رجل أن يعرف أول امرأة أو آخر "أمراة"؟..
لو عرفنا "المرأة" لما شقينا بحبها!
الأجدر إذن أن يكون السؤال عن أول امرأة لم أعرفها، لا عن أول امرأة عرفتها!
لقد كانت فتاة جميلة، رفيعة، ذكية، أو هكذا حسبتها، فأحببتها وكان كل ما فيها يعبر عن الحب والوفاء.. ذهنها الشارد، أعصابها المحطمة، عيناها، شفتاها، صوتها الناعم الشجى.. رأيت أنى أسعد الناس لقد أحببتها وأحببت منها ذلك الحب!! ثم ظهر لى، مع الأسف، أن هذا الحب، وهذا الوفاء وهذه اللوعة ليست لى لكن لسواى.. وانحنيت على كبريائى أضمد جراحها! وظننت لغفلتى أن ما حدث يرجع إلى أنى أحببت دون تجربة فلما أحببت بعد ذلك أدركت أن التجارب لم تزدنى إلا غفلة!.. إن كل امرأة ككل امرأة! والرجل لا يستطيع أن يعرف المرأة.. ولست إلا رجلا.