رئيس التحرير
عصام كامل

أحلام تصنعها المخدرات


واجهت تجربة نادرة لا تتكرر كثيرا، كانت تعليمات الأطباء تقتضى إجراء جراحة دقيقة لإصلاح كسر بسيط في الذراع. وبدأت رحلة العلاج بما يطلقون عليه تجهيز المريض قبل دخوله غرفة العمليات.


وفى هذه المرحلة يتعاطى المريض عقاقير مهدئة تشجعه على مواجهة مشرط الجراح، ويبدو أن بعض المهدئات بلغت حد المخدرات، أو أن ذلك يرجع إلى حساسية خاصة لهذا النوع من العقاقير.

وأنا بين النوم واليقظة انتابنى شعور من السعادة التي أصبحت نادرة في هذه الأيام، ورأيت مصر وشعبها يعيش تطورات مع حكومة جديدة ورئيس جديد وبرلمان ديمقراطى في أمن وسلام ورخاء.

رأيت مصر خالية من المطالب الفئوية والمظاهرات الطلابية والوقفات الاحتجاجية وقطع الطرق واستباحة الدماء، رأيت أفواج السائحين يملؤون الفنادق والمنتجعات، والأموال تتدفق على البنوك بكل صور العملات العالمية.

رأيت المصانع تعود إلى العمل بكامل طاقتها، والعمال يعملون ساعات إضافية متطوعين مساهمة منهم في إصلاح ما أفسده الإرهابيون، لم يعد هناك من يطالب بأرباح غير مستحقة في شركات ومصانع خاسرة، ومع دوران عجلة الإنتاج تم تدارك الخلل في ميزان المدفوعات، وبدأت صادرات مصر تتفوق على وارداتها، وحقق الجنيه المصرى ارتفاعا غير مسبوق وتسابق العرب والأجانب على التعامل مع البورصة التي أصبحت تحقق أرقاما قياسية في التعاملات اليومية بصورة لم نعرفها من قبل.

تكاتف الشباب على التعاون مع رجال الشرطة وحمايتهم، واختفت إلى الأبد ظاهرة الدراجات البخارية المسلحة، وأصبحت زجاجات المولوتوف وبنادق الخرطوش تاريخا غير قابل للتكرار.

وعاد القطاع الخاص إلى مضاعفة إنتاجه والمنافسة في الأسواق العالمية، وأصبحت دول العالم تتهافت على كل ما يحمل عبارة «صنع في مصر». وتحققت وفرة كبيرة في الوقود واختفت الطوابير من أمام مخازن البوتاجاز ومحطات البنزين، ولم يعد أحد يتحدث عن ترشيد استهلاك الكهرباء بعد أن توفرت كل المرافق في جميع العشوائيات، ولم يعد هناك من يشكو من نقص في المياه النقية وفى شبكة الصرف الصحى وأصحاب المنازل الآيلة للسقوط، وامتلأت الصحف بإعلانات عن الوظائف الخالية.
ولا زالت هذه الأحلام الوردية تراودنى وأنا داخل غرفة الإنعاش.
الجريدة الرسمية