المهانة.. التدخل الخشن
يقول التاريخ إن أجدادنا في عهد أسرة محمد على وصلوا لإثيوبيا ومنابع النيل.. وإن الخديوِ إسماعيل كان يدفع قيمة أراضٍ في إثيوبيا لتكون ملكًا لمصر.. ساعتها اعترض المجتمع الدولى، فتم الاتفاق على أن يكون لمصر حق الانتفاع بهذه المناطق.
أستدعى التاريخ وأنا على يقين أن ولاة الأمر يعلمون أن مصر هي الأكثر اعتمادًا على مياه النيل، وبالتالى كان طبيعيًا أن يمتد مفهوم الأمن المائى إلى المنابع الرئيسية في حوض النيل. ومن ثم فإن أي عمل يجرى في هذا الحوض ومن شأنه التأثير في حصة مصر السنوية من المياه (55 ونصف مليار متر مكعب) هو بالقطع عمل يمس صميم الأمن القومى المصرى مباشرة.
ومع التسليم بوجود اتفاقيات تحدد لمصر حصتها المقررة سنويًا، وفى ظل المتغيرات الإقليمية والدولية التي تمت من خلال التطورات السريعة التي شهدها العالم في العقدين الأخيرين من القرن المنصرم، فإن مصر تواجه تحديًا حقيقيًا بعد دخول لاعبين جدد إلى منطقة حوض النيل مثل إسرائيل والولايات المتحدة، ثم البنك الدولى وما فرضه من مفاهيم جديدة أهمها وأخطرها (ما يسمى ببورصات المياه، وخصخصة المياه وتسعيرها)، الأمر الذي يعزز فرص نشوب صراع بين تلك الدول خلال السنوات المقبلة، وامتداد القضية خارج النطاق الإقليمى، والسماح بدخول الأطراف الخارجية في الصراع.
ومن ثم يجب أن يكون رد أو رَدْع الحكومة المصرية لأصحاب مشروع النهضة واضحًا وصريحًا وحاسمًا يُشْعِر الجميع بهيبة مصر وثقلها بالمنطقة.
وبالتوازى مع أساليب الردع الخشنة.. على مصر أن تستثمر قوتها الناعمة ممثلة في البابا ورجال الدين المسيحى، لا سيما أن تأثير الكنيسة في الإثيوبيين كبير وملهم.. وكذلك رجال الأعمال والعلماء والخبراء، لتأكيد المنفعة المتبادلة من مياه النيل.
في نفس الإطار أيضًا على مصر أن تستثمر الاعتراف الدولى بحقوق مصر والسودان في استخدامات مياه نهر النيل وفقًا للمعاهدات التاريخية المنظمة لذلك.. وأؤكد مرة أخرى حتمية أن يترك التحرك المصرى انطباعًا لدى العالم بقوة مصر وعظمتها وعزة أبنائها.
المزاج المصرى لم يعد يقبل مرارة المهانة التي نتعرض لها في التعاطى الناعم مع ملف سد النهضة.. ولا أكون مبالغًا لو قلت إننى شعرت في وداع وزير الرى المصرى عقب كل زيارة «حنَيِّنَة» يقوم بها لإثيوبيا، أنهم يقولون له «خلينا نشوفك» ثم يعزفون أثناء صعوده سلم طائرة العودة سلام "عطشان تعال اشرب" !