إنسانية وزير!
سمعنا تصريحا تليفزيونيا للدكتور محمد مرسى وهوــ حتى كتابة هذه السطورــ رئيس الجمهورية إلى حين، لقد قال فى تصريحه إنه كلف الشرطة بمواجهة أية تجاوزات بكل حزم وحسم، من هذا المنطلق قام رجاله بتجريد مواطن مصرى من ملابسه وسحله عاريا فى الطريق العام وسجلت هذا المشهد عدسات تليفزيونية نقلته عنها كل تليفزيونات العالم؛ ليعرف الجميع ماذا تعنى التصريحات الرئاسية بشأن الحزم والحسم.
وبعد أن قضى صاحبناــ واسمه حمادة صابرــ فترة الضيافة الإنسانية فى أحد معسكرات الأمن المركزى تم نقله إلى غرفة خاصة فى مستشفى الشرطة، وهناك اعترف بأنه قاوم الشرطة ولم يستسلم لها وأنه أتعبها واضطرها إلى أن تفعل فيه ما فعلت، وأنهم رغم ذلك اعتذروا له وأنه قبل اعتذارهم.
واتجهت الأنظار إلى السيد اللواء وزير الداخلية.. الذى سارع بإصدار قرار بتعيين حمادة صابر بوزارة الداخلية للاستفادة بخبرته الكبيرة فى إتعاب الشرطة ومقاومة محاولة القبض عليه، بالإضافة إلى الاستفادة بخبرته فى أعمال المحارة باعتباره من عمالها.
وهكذا جاء القرار الإنسانى للوزير الذى كافأ المواطن المصرى على مقاومته للشرطة وإتعابه لهم، وهو ما اعتبره الوزير بمثابة مناورة تدريبية للشرطة تهدف إلى رفع كفاءتها فى التصرف المناسب مع من يتعبها ويقاومها، كما فعل المواطن حمادة صابر.
ولا بد أن صاحبنا لقى معاملة إنسانية جدا فى موقع احتجازه بمعسكر الأمن المركزى، أسفرت عن اعترافاته بخطئه وتجاوزاته وكل ما بدر منه من مقاومة لعملية الاعتقال وإتعاب رجال الشرطة، لكنه لم يقل إنه هو الذى قام بضرب سيادة نقيب الشرطة الذى قاد عملية الاعتقال ولم يقم بتجريده من ملابسه وسحله عاريا فى الطريق، ويبدو أن القرار الإنسانى للوزير كان خلفية منطقية لتصريحات حمادة صابر.
ومن الواضح أن أصحاب تراجيدية حمادة صابر فهموا جيدا تصريحات الريس مرسى وما يعنيه بها، وأنهم نفذوا ما قاله وما فهموه، لكنهم لا هم ولا هوــ لم يفهموا بعد أن تجرد مصرى من ملابسه وسحله فى الطريق العام، لم يعد يكفى لإرهاب أحد، وأن رجال مصر لم يعد منهم من يخاف أو يخشى ظلما أو تعذيبا، مهما كانت بشاعته.
وقد شهد يوم الجمعة تحديا للطبيعة ولسوء الأحوال الجوية، ومنها موجة البرد القارس والأمطار الغزيرة، ولم يحل ذلك دون خروج مئات الألوف فى كل ميادين مصر تعلن رفضها وغضبها وتطلعها إلى الخلاص مما نحن فيه.
قد تحدى الرافضون كل شىء وزحف مئات الألوف إلى كل ميادين مصر يطالبون بالتغيير. وتأكد لنا من جديد أن شعب مصر قد تغير بعد أن قام بتغيير النظام فى الخامس والعشرين من يناير. لقد كان أبناء مصر على قلب رجل واحد فى بورسعيد والإسماعيلية والسويس والإسكندرية وغيرها، وفى ميدان التحرير بالقاهرة، والمنطقة المحيطة به وتحركت المسيرات عقب صلاة الجمعة تحت الأمطار الغزيرة متجهة إلى ميدان التحرير قادمة من شبرا والمهندسين ومدينة نصر معلنة مطالبها وعازمة على استمرار الثورة إلى أن يتحقق ما يريده شعب مصر، مثلما تحقق ما أراده من قبل.
وتكرر ذلك من جديد عقب ما حدث للمواطن حمادة صابر، ويبدو أن ما كان من تصريحات المرسى بشأن الحزم والحسم، وما تبع ذلك من عمليات أمام قصر الاتحادية قد عجل بالنهاية وأننا فى ظل نظام ينتحر سياسيا وجماهيريا..