الإحساس السياسى
لا أعرف إن كان هذا المُصطلح موجود كعلم أم لا، ولكننى أستشعره بين سطور كتب التاريخ السياسى للدول والإستراتيجيات الوطنية المُستوحاة من فلكلور الشعوب وملاحمها التى توجد ملامحها، فتُحفر فى الوجدان عبر السنوات والعقود والقرون.
فالإحساس السياسى وفقاً لقراءتى تلك، هو الذى يربط بين حب الوطن ومعرفته وتتبع مُنجزات وانتكاسات شعبه، والسلوك السياسى المُعبر عن هذا الحب أو الانتماء وتلك المعرفة والتتبع لموروثه الشعبى. ولا يُمكن بحال من الأحوال أن تُحقق أية سياسة نجاحا وتستمر إلا فى حال تعبيرها عن هذا الإحساس، حيث الشعب يرفض أى سياسة لا تتماشى مع هذا الإحساس، ويتحايل عليها بأساليب مُختلفة، ويكفى أن نرى تلون الناس فيما يتعلق بالنُسخ المستوردة والغريبة عن مصر للإسلام، بينما يحيا الإسلام السمح الأصيل دونما تلونات، منذ أن قدم به عمرو بن العاص إلى مصر، وتطبع بروح أهلها وأسلوب حياتهم وجغرافيتهم التى أوجدت الانسجام بين الدين وبينهم، فى إطار حب مُخلص لله!!
إن الإحساس السياسى ينبثق عن شخصية مصر وليس عن رؤى غريبة، تستورد ثقافات من بلاد وبيئات بعيدة وعجيبة عنها. وإن جاز أن نقول، فإن الإحساس السياسى هو ما يجعل السياسة "كائن حى"، يشعر ويعبر عن الأرض والوطن والمواطن. فتكون السياسة وقتها إحساس، يحملُ فى طياته التاريخ والجغرافيا، وسمات البشر وتجاربهم، والطقس والمناخ والتضاريس، والفرح والألم، والنكسات والهزائم والأفراح!! وكأن المسألة تُعبر عن "خارطة جينية" للوطن!!
ويُمكنك بهذا الإحساس السياسى أن تستشف السياسة وتعرف إن كانت نافعة ومناسبة لمصر أم أنها غريبة ومستوحاة من بيئات أُخرى. تستطيع من خلالها أن تعرف إن كان السياسى الذى يقوم بها صادق أم كاذب. ولكن هذا لا يمكنه أن يتأتى إلا بمعرفة عميقة، بما تحيا به من فلكلور ثقافى وعبق تاريخى، يتمثل فى وجدانك من قراءة وتجارب وحياة وسط هذا الطين - طين التربة المصرية، بما يحمل من غرس وشخصية للوطن تنعكس على السمة الأساسية للمواطن المتوسط.
فالإحساس السياسى، هو أن تشعر بالقرار كأنه مولود يُمكن أن ينمو ليكون كامل طبيعى أو مشوه لا يستطيع أن يحيا فى وسط ما يولد به، فيموت. فالإحساس السياسى هو أن تعرف ما إن كان القرار قابل للتنفيذ أو أنه مُنعدم من لحظة ولادته فيكون مولود سفاحاً!!
ولا يُمكن أن يشعُر بالإحساس السياسى، أحد إلا إن كان يحب هذا الوطن ويندمج معه بكل ما فيه بحيث يستطيع أن يصلح سيئه من خلال معيشته فيه وبه لأنه قرأ وعرف كيف أتى هذا السيئ وكيف يُمكنه تفكيكه، أو أن يطور الجيد لأنه فهم كيف نمى.
فمن امتلأ قلبه بالأحقاد وأراد السلطة فقط، وركز فى كيفية استلابها دونما خدمة حقيقية للناس، وعاشت بين أضلُعه مشاعر نرجسية بالأنا، لا يستطيع أن يُعمل الإحساس السياسى، لأنه يصبح دائراً فى فُلك نفسه فقط.
إن الإحساس السياسى المنبثق عن أرض مصر، هو ما يلفظ التجربة المُعاشة اليوم فى مصر. إنه يمقتها لأنها مشوهة غريبة عنه، وبها جزيئات مستوردة من الغرب والشرق معاً، وهو ما لا يمكن معه أن تدوم. إنها غريبة عن مصر الـ 7000 عام، وعما خطه جمال حمدان فى مُجلداته الأربعة العلمية الرائعة حول "شخصية مصر"، وهى بلاد قوية الشخصية، مهما حل عليها، لا تتغير إلا برغبتها، ومن الواضح اليوم، أن تلك الرغبة غير متوفرة حيال حكم الإخوان!!
والله أكبر والعزة لبلادى،
وتبقى مصر أولاً دولة مدنية