رئيس التحرير
عصام كامل

غضب واشنطن نعمة!!


المنزعجون من موقف الإدارة الأمريكية مما يحدث في مصر لا يختلفون عن هؤلاء الذين يبحثون عن رضا اللص عن الشرفاء؛ فالأمريكيون لم يثبت التاريخ أنهم رضوا عن حاكم وطنى في مشارق الأرض أو مغاربها، والتاريخ شاهد عيان على أن الرضا الأمريكى يعني الانصياع وتنفيذ الأوامر وتحقيق المصالح الأمريكية، حتى لو جاء ذلك على حساب الشعب، وسيرتهم في ذلك تزكم الأنوف، وتسد أكبر ماسورة صرف صحى في بر مصر.

للتاريخ.. فإن الولايات المتحدة الأمريكية كانت السند والداعم الرئيسى لحكم الشاه في إيران، وللتاريخ كان الشاه أكثر خضوعا للسيد الأمريكي من خضوعه للشعب الإيرانى، وللتاريخ فإن العم سام هو من "وأد" تجربة الديمقراطية في البرازيل عام ١٩٦٤م، بعد أن قادت إدارة كنيدى انقلابا عسكريا قضى على الأخضر واليابس، وكانت في عام ١٩٥٢ صاحبة الانقلاب الدموي في جواتيمالا.

وللتاريخ، ولمن يبحثون عن الرضا الأمريكي علينا في مصر أن يتأملوا تجربة أمريكا مع دعم العسكر ضد الشعب في السلفادور، ولمن لا يعرف تاريخ أمريكا مع حقوق الإنسان والقيم الكونية والبطاطا والباذنجان عليه أن يتدارس تجربة أمريكا وغزوها لبنما عام ١٩٦٩، وقتلها عشرات الآلاف من أبناء الشعب البنمى؛ لإعادة السلطة في البلاد لتاجر المخدرات الشهير مانويل نورييجا، وهي نفسها التي اختطفته بعد سنوات، بحجة أنه تاجر مخدرات!!

ولمن يحاولون إقناع واشنطن أننا نسير في خارطة طريق مصرية عليهم أن يدركوا أن هذا هو مربط الفرس، إذ أن أمريكا ترفض كل ماهو وطنى، وعلينا أن نتابع كيف قصفت بغداد بكل صنوف الدمار، ويكفي أن نذكر الناس أن واشنطن فقدت ١١ طفلا بريئا في أحداث ١١ سبتمبر قتلت مقابلهم ٢ مليون طفل أفغاني وعراقى، ولن نذكركم بما فعلوه بالصوماليين المسالمين، قبل تفخيخ البلاد بأدوات أمريكية.

ولمن يرفض تنشيط ذاكرته نحيله إلى ملف مبارك الذي حظي بالرضا الأمريكي وإسباغ الشرعية عليه، ثم بعد أن صنعوه إلها من عجوة أكلوه وقدموه للإخوان ووحوشهم، وهي ذاتها نفس الدولة التي دعمت صدام حسين في حربه ضد إيران، ودفعته لالتهام الكويت، ثم انقضت عليه ليلا.

ولمن لايريد أن يرى؛ فإننا نحيله إلى تاريخ أسود في الإسهام الحضاري لجماعة العم سام، سواء كان على مستوي تقييد حرية الاقتراع على بعض الأقليات، أو تاريخ العار الأمريكي مع أصحاب البشرة السمراء، وقبل هذا وذاك فإن دولة الحريات ودعم الديمقراطيات خاضت أكثر من ٧٥ حربا وتدخلا عسكريا؛ لتغيير أنظمة أو تثبيت أخرى في ٧٠ عاما، دون أن نحيلكم إلى النموذج المثالي لدولة تمثال الحرية بما حدث في سجون أبو غريب أو جوانتانامو.

وخلاصة القول، إن التاريخ يدفعنا دفعا إلى الإقلاع عن الصلاة إذا كانت أمريكا هي الإمام الذي يطالبنا بالصلاة، وبالصيام إذا كانت واشنطن هي صاحبة الدعوة للصيام، وعدم زراعة الأرض إذا كان المحراث أمريكيا.. صدقونى لم يثبت أن تورطت أمريكا في فعل خير، ومن لديه دليل غير ما أرى فليكشف لنا عن سره!!

وليكن الغضب الأمريكي من توجهاتنا هو نقطة البداية في وضع قواعد صحيحة وندية للتعامل مع واشنطن؛ فإذا كانت أمريكا قوة مهيمنة؛ فإن إرادتنا يجب أن تكون الصخرة التي تسقط عليها الهيمنة، إذ لا بديل عن استقلال دون عداء، وحرية دون خضوع، وديمقراطية تحمل ملامح مشروع مصري، لايستمد جذوره من بلاد أشهر ما فيها حرب الكواكب.

 

الجريدة الرسمية