حكومة عدم إنفاذ القانون
لعلها من المرات القليلة التي تشهد فيها مصر إجماعا في الرأي، إذ وحد الترحيب باستقالة حكومة الببلاوي بين الجميع، وإن كنت أرى أن القرار تأخر كثيرا، وكان يجب إقالة الحكومة مع ظهور بوادر الفشل وتباطؤ رئيسها في اتخاذ القرار، ثم رضوخه تحت الضغط الشعبي دون إنفاذ القرارت، وكأنه يتخذ قرارات لامتصاص الغضب الشعبي وينتهي الأمر، وبهذا تحولت مماطلة الحكومة إلى خطايا حتى شارف البلد على الشلل التام.
المتابع لبيان الببلاوي، يدرك أن الحكومة أجبرت على الاستقالة، فرئيس الوزراء تحدث بمرارة واضحة وبدا مصدوما، خصوصا أنه تطرق قبل أيام إلى تعديل في بعض الحقائب وليس استقالة جماعية، ويؤكد أنباء الإجبار على الاستقالة الحديث الغاضب لنائب الببلاوي والأقرب إليه حسام عيسى، فضلا عن التوقيت الحرج والمفاجئ لتغيير الحكومة.
لن أكرر ما سبق أن كتبته ضد أداء حكومة الببلاوي، إنما إن أردنا الإنصاف، يجب الاعتراف بأن الحكومة تولت المسئولية في وقت عصيب، وواجهت تحديات استثنائية، وما دام وافق رئيسها وفريقه على حمل الأمانة، فلابد من محاسبتهم على الفشل، الذي ألمح إليه الببلاوي ضمنيا أثناء إعلانه استقالة الحكومة.
لكن هل من قبيل الصدفة أن يصدر القضاء أحكاما غير مسبوقة، فور إعلان استقالة الحكومة؟!.. ألا يعني هذا أن الحكومة أوقفت إنفاذ القرارات أو على الأقل ماطلت في إصدار الأحكام الفاصلة؟!.. ومثلما قال الببلاوي إنه لا يعتبر "الإخوان" جماعة إرهابية، ثم تراجع أمام الاستنكار، مؤكدا أن التعبير خانه وأن الإخوان والعدم سواء. واضطر بعدها لإعلان الإخوان منظمة إرهابية في ظل جرائم هدفها تقويض الدولة، ومع هذا ظل القرار مجرد إعلان، لأن الببلاوي لم يصدر به مرسوما قانونيا، ولم ينشره في الجريدة الرسمية للدولة.
وفور استقالة الحكومة وجه لها القضاء "صفعة" بمجموعة أحكام رادعة، تثبت أن الببلاوي، بصفته رئيس السلطة التنفيذية، عمل على عدم إنفاذ القانون.. فقد قضت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة، باعتبار «جماعة الإخوان المسلمين المحظورة منظمة إرهابية»، ما يلزم رئيس الوزراء بإصدار قرار رسمي باعتبار الجماعة إرهابية استنادا للجرائم المتهم فيها جميع قيادات الإخوان.
وجاء في حيثيات الحكم أن الجماعة لها تاريخ يعتمد على «ثقافة السيطرة وتخويف الناس من أجل الحصول على مبتغاها باستخدام العنف والقتل». كما قضت المحكمة نفسها، برفض الاستشكال المقدم من مؤسس جمعية الإخوان المسلمين، للمطالبة بوقف حكم التحفظ على أموال ومقرات وحظر أنشطة الجمعية. وينتظر أن تستكمل المحكمة ذاتها أحكامها التاريخية بإعلان حركة "حماس" الفلسطينية منظمة إرهابية استنادا إلى أنها أحد أذرع "الإخوان"، والجرائم التي ترتكبتها في حق مصر والمصريين منذ سنوات طويلة حتى الآن.
ولم ينته يوم استقالة حكومة الببلاوي، إلا وقضت المحكمة في القاهرة أيضا، بعودة الحرس الجامعي التابع لوزارة الداخلية إلى جميع الجامعات، بعد نحو ثلاث سنوات من صدور حكم بإبعاد الشرطة عن الحرم الجامعي. ورأت المحكمة أن الحكومة فشلت في تأمين المباني الجامعية وعرضت الطلبة والهيئة التدريسية إلى مخاطر إرهاب وبلطجة المنتمين إلى جماعة الإخوان المحظورة، ما تسبب في تفشي الفوضى والشغب والمظاهرات المسلحة في الجامعات، وأدى إلى تعطيل الدراسة وإعاقة الطلاب عن تحصيل العلم وإتلاف الممتلكات العامة.
وكما استعاد القضاء في القاهرة سلطة إطلاق الأحكام، أصدرت محاكم الإسكندرية أحكاما رادعة بالسجن لمدد تتراوح بين ثلاث وسبع سنوات مع الشغل والنفاذ وغرامة 50 ألف جنيه بحق نحو 220 متهما في أحداث البلطجة والتجمهر وقطع الطريق واتلاف الممتلكات العامة.
إن تفعيل دور القضاء وعدم غل يديه عن الحكم على المجرمين يمثل البداية لعودة دولة القانون واستعادة هيبة الدولة، التي فرط فيها الببلاوي ومن قبله "الإخوان"، تارة لإرضاء من يطلقون على أنفسهم نشطاء أو لإرضاء أمريكا والاتحاد الأوربي وقبلهم البرادعي، وقائمة طويلة من مسميات لم تجن منها مصر سوى الخراب والانهيار.