رئيس التحرير
عصام كامل

الإرهاب والكباب !


نشهد هذه الأيام موجة إرهابية شبيهة بالموجة التي شهدتها مصر في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، ونفس اللاعبين الإرهابيين في تلك المرحلة هم أنفسهم اللاعبون في الموجة الحالية..

 نتذكر معا الفيلم الرائع للفنان عادل إمام والفنانة يسرا "الإرهاب والكباب،" والتي كانت أحداثه تدور حول موظف غلبان في حاله، ذهب لمجمع التحرير لكي يقضي مصلحة ما، فاصطدم بموظف من عينة "فوت علينا بكرة يا سيد"، ولم يشفع له أنه موظف مثله وكان المفترض أن يقدر ظروفه خاصة أنه "واخد إجازة عارضة" كي ينجز مصلحته.

وسط هذا التعنت والروتين والفساد الإداري تطور الشجار بينهم إلى أن وجد عادل إمام نفسه ممسكا ببندقية، وكل من في مجمع التحرير أصبحوا أسرى لديه وفي خلال دقائق حوصر المجمع من قبل قوات الأمن والمدرعات ووجد عادل إمام نفسه في ثوان معدودة إرهابيا محاصرا ولا يعرف ماذا حدث ولماذا هو ممسك ببندقية، ولماذا كل ما حدث.

هذا الفيلم كان في أيام تعاني مصر فيها من ويلات الإرهاب، ومن وجهة نظري المتواضعة أعتقد أن فيلم الإرهاب والكباب كان رسالة في ذلك التوقيت لمن يهمه الأمر، ويجب علينا استعادة هذه الرسالة مرة أخرى ونحن نعيش نفس الظروف المشابهة.

هذه الرسالة من وجهة نظري كانت تحمل شقين مهمين، شق يتعلق بمكافحة الإرهاب اجتماعيا وشق مفاده أنه ليس كل مواطن إرهابي ويتم التعامل معه على أنه إرهابي.

الشق الأول المتعلق بمكافحة الإرهاب هنا لا يتحدث عن مكافحته أمنيا فقط بل بتحقيق العدالة الاجتماعية وإعادة هيكلة المؤسسات والقضاء على الفساد وإعادة الكرامة للمواطن الذي نسي أن لديه كرامة إنسانية من كثرة الذل والطغيان والانشغال بالبحث عن لقمة العيش البسيطة التي لا ترتقي حتى إلى لقمة العيش المفتخرة مثل "الكباب"، والانشغال بهذه اللقمة عن حقوقه وحرياته..

 باختصار هي شعارات الثورة والثوار المراد تحقيقها فهي في النهاية تراكمات لكل مشاكل المجتمع المصري.
أما الشق الثاني، فكان رسالة للداخلية مفادها أن المواطن قد تفرض عليه الظروف ودون أن يشعر يجد نفسه في مشكلة عويصة وفي موضع شبهة كأن يسير بجانب مظاهرة أو مسيرة أو أي ظرف آخر لاعلاقة له بالإرهاب والإرهابيين، فيجد نفسه في قسم الشرطة يهان ويمتهن ويعامل معاملة الإرهابي وتلفق له تهم لاحصر لها وكأن الرسالة هنا هي عدم الانتقاص من حقوق المواطن وحرياته بحجة الحرب على الإرهاب وأنه طالما نحن في الحرب لا حقوق لأحد ولا مانع من الاعتداء على الدستور، بحجة أن الأمن القومي أهم من الدستور ولا مانع أيضا من بعض التسريبات الهاتفية بحجة أنها ضرورية لإرساء دعائم الأمن القومي، وبالتأكيد أن ذلك المنطق لا أساس له من الصحة بل يهدم مفهوم الأمن القومي، وإن دل فإنما يدل على الجهل والخداع والتضليل والتشويش على المواطن، حيث إن الأمن القومي يبدأ بتطبيق الدستور وتحقيق الاستقرار والسلم الاجتماعي من خلاله ومن خلال التشريع الصادر عنه.

الغريب أنني وجدت تشابها غريبا بين ما أراد الفيلم أن يوصله لصناع القرار وقتها الذين اعتدوا على الدستور والقانون دون حساب أو رقابة، وبين مانطالب به اليوم ولم يتهم وقتها عادل إمام أنه طابور خامس أو عميل أو خائن بل على حد علمي كان عادل إمام وقتها مطلوبا للإرهابيين وليس من الدولة والداخلية والإعلاميين والصحفيين التابعين لها.

الجريدة الرسمية