رئيس التحرير
عصام كامل

عن "أوديب" أتحدث


كان "لايوس" ملكا على طيبة اليونانية، وكان عاقرا، فذهب لمعبد دلفى.. معبد الإله أبولو.. ليجد حلا أو مساعدة من الكاهن تريزياس، فأخبره بأنه سينجب ولدا يقتله ويتزوج أمه، فهجر زوجته حتى سكر في ليلة وفقد الوعي وعاشرها فحملت..


انتظر حتى ولدت وأعطى الطفل لحارسه لكى يقتله.. ذهب به الحارس إلى الجبل، وهو مقيد بالأغلال من قدميه (كلمة أوديب تعني المربط القدمين باليونانية)، وبدلا من أن يلقيه في الجبل ليموت تركه لراع قابله في هذا الجبل.. الراعي بدوره أشفق على الطفل وأخذه هدية لملك كورنثة وزوجته فهما عاقران.

كبر أوديب وظل جرح قدميه علامة من الأصفاد التي سلسل فيها طفلا، وذات يوم كان مع أصحابه فشككوه أنه ليس ابن ملك كورنثة فانزعج أوديب وذهب بدوره إلى معبد دلفي عله يعرف الحقيقة.. عرف النبوءة كلها فترك كورنثة وذهب إلى طيبة، في الطريق قابلته عربة يقودها الخيل والحراس اختلفوا معه فقتلهم جميعا، وقتل الرجل المسن داخلها واستمر في طريقه حتى وصل طيبة.. وجد على بابها وحشا أسطوريا هو أبو الهول أو الهولة، يسأل الناس سؤالا ويقتل من لا يجيب عليه.

سأله الوحش ما الشيء الذي يمشي في الصباح على أربع وفي الظهيرة على اثنين وفي المساء على ثلاث.. أجاب أوديب إنه الإنسان.

تبخر الوحش وفرح الناس وزوجوه الملكة التي مات زوجها في الغابة، بعد ذلك حل الطاعون في البلاد فذهب أوديب إلى معبد دلفي يسأل لماذا الطاعون، فعرف أن البلاد تعيش على خطيئة، فمن قتل ملكها وتزوج زوجته. وعرف متي مات الملك وأين، فأدرك أنه هو قاتله.. ومن ثم أدرك أنه هو أبوه ومن تزوجها هي أمه.. صرخ وفقأ عينيه ومشي شاردا في الجبال حتى سقط في العالم الآخر الذي كان في الأساطير اليونانية تحت الأرض.

استغرق هذا كله سنين لكن أوديب عرف القصة في النهاية وعرف أن طيبة أصابها الطاعون لأنها تعيش على خطيئة ارتكبها أكبر سكانها.. ملكهم نفسه ومن ثم فانتقام الآلهة لا يمكن ألا يأتي.

الأسطورة صحيح تظهر الأمر وكأنه مقدر سلفا ولا فكاك منه، أي أن أوديب كان مسيرا لا مخيرا، ومن ثم يمكن أن تلتمس له العذر.. لكن المهم هو مفردات الخطيئة حتى تحدث.. خطواتها خطوة خطوة.. الآلهة التي أوصلته إلى ذلك حقا لكن النهاية تليق بالخطأ.

كان المجتمع الإغريقي ذلك الوقت يقوم على العبودية ومن ثم كانت الأقدار هي التي تصنع مفرداته حتى يظل العبيد في أماكنهم والسادة في عروشهم، لكن الأقدار لا تميز بين السادة والعبيد في النهاية، كلهم إلى حتفهم المرسوم سلفا، والعظة المهمة والعظيمة من هذه الأسطورة أن بلدا يعيش على خطأ يمكن تصحيحه؛ لكن بلدا يعيش على خطيئة ينتهي بالطاعون. 

أتذكر هذه الأسطورة وغيرها كثيرا كلما رأيت صورة بريء الآن خلف القضبان.
Ibrahim abdelmeguid@hotmail.com
الجريدة الرسمية