رئيس التحرير
عصام كامل

الخطر الداهم.. خارجيا وداخليا


ليس بخافٍ أن ثورة ٣٠ يونيو كان لها أثرها الكبير في إرباك المخطط الأمريكى/ الصهيونى في المنطقة، وهو ما جعل أمريكا ومن سار في فلكها أو ارتبط بمصالح معها أن يبذلوا كل المساعي من أجل إفشالها.. ومما لا شك فيه أن موجة الإرهاب التي تتعرض لها مصر الآن هي أحد هذه المساعى، حيث تمثل خطرا على الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبالتالى من الضرورى أن تحشد الدولة كل قواها لمواجهتها وتصفيتها.. لكن هناك خطرا داهما آخر يهدد حياتنا ووجودنا، حاضرا ومستقبلا، ومن ثم يجب أن يأخذ حظه ونصيبه من الاهتمام.. هذا الخطر يتمثل في سد النهضة الإثيوبى الذي يعتبر أحد أبرز هذه المساعي، حيث تتآمر أمريكا والصهاينة وإيران وتركيا وقطر، على مصر والضغط عليها وابتزازها..


إن مشكلة العلاقة مع إثيوبيا (ودول حوض نهر النيل) برزت أيام الرئيس الراحل أنور السادات، لكنها تفاقمت في عهد مبارك، خاصة بعد محاولة اغتياله في أديس أبابا في ٢٥ يونيو ١٩٩٥.. وجاءت الجلسة "الفضيحة" التي عقدها الدكتور مرسي مع بعض "السياسيين" في قصر الاتحادية لبحث ما يمثله سد النهضة الإثيوبى لنا من تهديدات، لتلقى بظلال كئيبة على هذه العلاقة..

وإذا كان هذا السد يمثل خطرا خارجيا، فنحن نواجه خطرا داخليا أيضا، يتمثل في أعمال التلوث التي يقوم بها المصريون (أفرادا وشركات ومصانع)، وردم أجزاء من النيل والبناء على أرضه، والاستخدام المسرف للمياه في الرى، علاوة على الاستخدامات السيئة في الأمور الحياتية..

ويعد التلوث من أهم الأخطار التي تهدد الموارد المائية المصرية، ويعتبر نهر النيل أسوأ مثل للتلوث نظرا لانعدام تدابير الوقاية منه.. ولا يغيب عن بالنا أن خطورة التلوث لا تتوقف عند تدمير الثروة المائية وحدها، وإنما تتجاوز ذلك إلى تدمير ثروات أخرى بشرية وطبيعية.. والحقيقة أن الحكومات المتعاقبة لم تبذل أي جهد يذكر لمواجهة هذه الأخطار، وكان الأمر يمثل قضية فرعية أو هامشية.. أنا أعتقد أن هذه القضية يجب أن توضع على سلم الأولويات لدى المؤسسات الدستورية القادمة.. أيضا لابد أن تكون هناك إجراءات فاعلة، تشريعية وتنفيذية، لإزالة التعديات على النهر، وأن يؤخذ الأمر بجد لا هزل معه..

في مؤلفه القيم "حرب المياه في الصراع العربى الإسرائيلى"، وتحت عنوان "مملكة الهدر"، يقول نبيل فارس: "تؤدى طرق الرى التقليدية المتبعة في مصر إلى هدر في المياه يقدر بنحو ٤٠٪، فالمزارع المصرى ما زال يستعمل طرقا في الرى تعود في كثير منها إلى عهد الفراعنة.. وهو يستخدم نحو ٧ آلاف متر مكعب من المياه لرى الفدان، وهو يحتاج أصلا إلى ما لا يزيد على ٤ آلاف متر مكعب، ويمكن استخدام المياه المهدرة في رى مساحات جديدة. 

ويقدر الخبراء حجم الفاقد سنويا من نصيب مصر في المياه داخل الأراضي المصرية بنحو الثلث تقريبا، وهذا الاستخدام المسرف في سلعة أصبحت نادرة يضعف من مركز المفاوض المصرى أمام دول الحوض.

لابد أن نعترف بأن استخداماتنا الحياتية للمياه غاية في السوء، وكأننا نغرف من بحر.. والحقيقة أننا غير مدركين لخطورة هذا الأمر، وهو ما يحتاج بالفعل إلى إعادة نظر وترشيد، على اعتبار أن قطرة الماء هي الحياة، سواء لهذا الجيل أو الأجيال القادمة..
الجريدة الرسمية