كفاية استنكار وإدانة وشجب !
ابحثوا عن كلمات غير الكلمات، ورددوا عبارات غير العبارات.. فقد زهقنا ومللنا من حديث الاستنكار والإدانة والشجب من أول رئيس الوزراء – الذي لا يحرك ساكنا سوي تصريحات الإدانة للإرهاب واستنكار اغتيالات رجال الشرطة بدم بارد – وحتى نحن الذين لا نملك غير القلم وكتابة حروف صماء لا صوت لها ولا رنين.. تعبر فقط عن العجز الصامت وقلة الحيلة وغياب القدرة على الفعل والاكتفاء فقط برد الفعل البطيء بنفس الشكل وذات الطريقة وبنفس الكلمات والمعاني التي فقدت تأثيرها وبريقها.
في كل مرة يقع حادث إرهابي جبان يستهدف ضابط شرطة أو ضابط جيش أو مجند شرطة أو مجند قوات مسلحة تنطلق في اللحظات الأولي التصريحات المكررة ( لن يزيدنا الإرهاب إلا إصرارا على مواصلة الطريق، ولن تفلح معنا كل عمليات القتل والترويع، وأن معنوياتنا جميعا جيش وشرطة في السماء ومصممين على الاستمرار في المواجهة للقضاء على الإرهاب ) وتكتب الصحف مرثيات عن الشهيد الذي سقط غدرا وغيلة وأنه كان طيب الخلق.. محبوبا بين أقرانه وجيرانه وغير ذلك من أوصاف لن تعيده مرة أخرى للحياة ولن تعوض أهله عن فقده ولو حازوا كنوز الدنيا !!
تستمر الحالة في ذروتها يومين أو ثلاثة ثم تخبوا شعلة الحماسة ويتحول الشهيد إلى رقم ثم يصبح ذكري يجترها أهله وذويه فقط لتعود الحياة إلى سيرتها الأولي، وبعد ذلك بأيام قليلة يفجعنا حادث اغتيال إرهابي آخر مستهدفا ضباط وجنود الشرطة والجيش، وتتكرر المشاهد وتتداعي الصور الحزينة لتنكأ جراحا لم تصبح قديمة بعد، وتمر المأساة بنفس الخطوات من الإدانة والشجب والاستنكار والمشاعر والأحاسيس حتى يسجي جسد الشهيد في قبره ولا يتغير شيء غير الاسم الذي يتراكم فوق سابقيه من الأسماء.
في ذات السياق تنطلق منا الكلمات والتحذيرات والمناشدات تقول بأعلى صوت: يا حكومة.. يا رئيس الوزراء.. يا رئيس البلاد.. يا وزير الداخلية.. يا كل مسئول في هذا الوطن لا يرغب فى رؤية الدماء الذكية تسيل على الأرض.. ولا يرغب فى سماع نحيب كل أب وأم، وكل زوجة، وكل ابن وابنة على شهيد لهم سقط مقتولا بدم بارد !! يا كل هؤلاء من فضلكم اتخذوا إجراءات احترازية لحماية هؤلاء الضباط والجنود، وحماية أرواح الأبرياء من عابري الطريق والآمنين في سياراتهم ومنازلهم ومحالهم.. يا كل هؤلاء.. اتخذوا قرارات رادعة وأصدروا قوانين رادعة تجرم سير المركبات البخارية ( الموتوسيكلات ) التي يركبها أكثر من فرد.. فكل حوادث الاغتيال تتم بنفس الإسلوب والطريقة.. أو أوقفوا سيرها نهائيا لمدة شهرين أو ثلاثة حتى تستطيعوا مواجهة هذا الإرهاب الأسود !!
يا كل هؤلاء المسئولون نحن في حالة حرب، ونحن في حالة استثنائية وإصدار قوانين تحافظ على حياة البشر هو من مقاصد الشريعة والدين.. حفظ الحياة أهم من أي شيء آخر !! يا كل هؤلاء أصدروا قوانين ترفع كل السيارات الخردة الموجودة في الشوارع والسيارات القديمة غير المستعملة التي اتخذ أصحابها من الشارع (جراجات ) لها فقد تصبح في لحظات قنابل موقوتة تزهق أرواح الأبرياء في جزء من الثانية.
يا كل هؤلاء الذين أعنيهم من أول رئيس الوزراء حتى آخر مسئول في الوطن.. موجات الإرهاب تتصاعد والتخريب يعبث في البلاد والمؤامرة تضيق علينا الخناق وأنتم ( محلك سر ) لا تتحركون، وإذا تحركتم تتحركون ببطء شديد برد فعل لا يتناسب مع ما حدث !! هل المطلوب أن ننتظر حتى يصل عدد الشهداء إلى رقم معين حتى تفيقوا من النعاس الطويل ؟! هل من المقبول أن تتراجع هيبة الدولة وتبدو غير قادرة على حماية نفسها من إرهاب يستهدفها كلها ؟!
يا كل هؤلاء المسئولين اتقوا الله في مصر وأدوا واجبكم تجاه الوطن بلا خوف أو وجل، وطهروا مؤسساتكم من أي اختراق يحدث واكشفوه للرأي العام الذي يريد أن يطمئن على دولته ومستقبله.
المقدم محمد عيد الذي نحتسبه عند الله شهيدا ضابط الأمن الوطني بالشرقية لن يكون الأخير طالما لا نأخذ بالأسباب، وطالما يحكمنا منهج شعارات الإدانة والاستنكار.. انتبهوا فلكل إنسان طاقة احتمال وبعدها قد لا يستطيع.. وليرحمنا ويرحمكم الله.
Elazizi10@gmail.com