رئيس التحرير
عصام كامل

الطيور المهاجرة تعود إلى بغداد.. مبدعو العراق يشاركون في فعاليات عاصمة الثقافة العربية.. الجزائري: هموم الساسة ليس من بينها مصلحة بلاد الرافدين.. باني حسن: الفنانون سفراء لبلادهم في المهجر

فيتو

ليس الفلسطينيون مفردهم من يعيشون في الشتات ويعانون أزمات الفقد والبعد عن الوطن، وإذا كان الفلسطينون عاشوا في الشتات بفعل الاحتلال، فالعراقيون تجربة أخرى وحالة تشكل إشكالية كبرى في عالمنا العربي، وحالات فقد الحرية، وتغيب المبدعين والفنانين والعلماء، فنشطت حركة الهجرة منذ مايزيد على أربعة عقود، حيث غادر العراقيون الوطن باحثين عن أوطان بديلة، فاكتظت دول العالم الأول، بهؤلاء الرافضين للواقع في وطنهم، والباحثين عن تطلعات وغد أفضل.

اليوم في العراق، وبالأخص العاصمة بغداد، عاد ما يقارب من الـ100 شاعر، وروائي، وأديب وفنان تشكيلي، إلى الوطن، وفقا لدعوة وجهت لهم للمشاركة في ختام فعاليات بغداد عاصمة الثقافة العربية، الغالبية حصدوا جنسيات البلاد التي ضمتهم، وصاروا ممثلين لها، ناطقين باسمها في احتفاليات كثيرة.

حالة قد تكون من أصعب ما قد يقابل العربي في وطنه، هوية واحدة وهجرة، أو هوية وطن باعدت بينه السبل وآخر منحهم الحضور والبروز، ونجحوا فيه، وأعطاهم جنسيته في بعض الأوقات.

فيتو وخلال مشاركتها في فعاليات أجرت هذا التحقيق مع عدد من العراقيين المقيمين في المهجر والذين تلقوا الدعوة للمشاركة ليعود بعضهم إلى الوطن بعد مرور عقود كبيرة من الغياب، وذلك للتعرف على رؤيتهم لبغداد اليوم، وما تمثله لهم.

البداية بالفنان التشكيلي عباس باني حسن، والذي غادر بغداد في العام 1981، ولم يعد إليها إلا في 2004، عقب الغزو الأمريكي للعراق، ولكنه غادرها من جديد ليستمر مقامه بباريس، حتى يعود من جديد كمدعو في ختام بغداد عاصمة الثقافة العربية.

عن ذلك يقول:"عدت في 2004 لكن رأيت الوضع معقد جدا، وأكون بذلك عدت للعراق مرتين، لكن القرار تغير وغادرتها فالوضع السياسي، والاجتماعي وحتى الاقتصادي كله تغير، وصار هناك خراب داخلي وخارجي، وخراب مادي، أما الخراب الذاتي فهو الأقوى، فهناك وضع بائس ومأساوي، يعيشه الشعب العراقي".

وبرغم ذلك يرى أن العراق الآن يتقدم خطوات للأمام، وأنه صار لديه أمل بالعكس من 6 ساعات مضت، فالعراق يتطور، حتى على المستوى السياسي، فكل الساسة، كما يقول، صاروا معروفين للعامة، وهناك حلول واضحة لبناء العراق برغم الوضع الملتبس الذي يظهر على الساحة.

وأشار إلى أنه بالرغم من بعده المكاني إلا أنه متابع يومي للوضع السياسي العراقي، معتبرا أن ما يحدث مؤامرة كبيرة لكنها لا يمكن أن توقف العراق، مشيرا إلى أنه توقع قبل أربعة أشهر انتهاء الإرهاب، لكن ما جرى لم يتصوره، خاصة ظهور داعش بطريقته المستغربة.

وأعرب عن أمنياته بالعودة إلى العراق لكن في هذا الوضع الحالي صعب، فالأزمة العراقية قد تتعدى سنوات، وقد تتجاوز عمره، كما يقول، مضيفا:"كنت أتمنى أن أعود لخدمة العراق، ولكني الآن أعمل باسم العراق، وكلنا كفنانين نعمل باسم العراق، فنحن سفراء للعراق وممثلون له، وقد قدمت مايزيد على 100 معرض في أوربا باسم العراق".

الأديبة والكاتبة العراقية سعاد الجزائري، أحد المبدعات العراقيات المقيمات في بريطانيا، حاولت العودة إلى العراق مؤخرا وشاركت في الحراك السياسي العراقي، لكنها رأت أن للساسة مصالح أخرى ليس فيها مصلحة الوطن.

وأوضحت أنه قبل سنوات كان عندي أمل، لكن الآن لا أمل ولا حلم، وحس الانتماء هو الذي يدفعنا لأن نعود إلى العراق، ويربط جذورنا به، فقد ذهبت قديما إلى بريطانيا قصرا بسبب النظام السابق، ومؤخرا غادرت عراق من جديد قصرا فالمشهد صار أكثر التباسا وإيلاما.

وأضافت أنه مع الانتخابات الأولى في 2005 كان المشهد السياسي أكثر وضوحا، وكان الجانب الوطني هو الغالب لدى الجميع، إلا أن السنوات الماضية كانت تضم مشهدا ملتبسا.

أما عن قيام فعاليات بغداد عاصمة الثقافة العربية، واستمرارها على مدى عام كامل، برغم التفجيرات المتتالية والتي هزت أنحاء متفرق ليس في بغداد فحسب لكن في أغلب المدن العراقية قالت: "هذا التحدي الذي عرف به العراقيون، الثقافة هي الوجه المشرق للعراق، والثقافة هي الوجه الأكثر ظهورا وبروزا".

ومن بريطانيا إلى السويد حيث تقول وئام ملا سلمان شاعرة عراقية مقيمة بالسويد، التي تزور برغم غيابها عن العراق إلا أنها تعمل على زيارتها عاما بعد عام.

وتشير إلى أن بغداد ستبقى عاصمة ثقافة إنسانية وليست عربية فقط، وأن يد الارهب دائما أقصر من يد الجمال، وأن كوابح الإرهاب غير قادرة على إيقاف عجلة الثقافة والتقدم في العراق.

الشاعر العراقي-الأمريكي كاظم الوائلي، غادر العراق قبل 21 عاما، ويزورها كثيرا، يقول: أفتخر بانتمائي للعراق، ومتمنيا أن يعود مجد بغداد التليد لها، نتمنى أن يعود مجد بغداد التليد لها.

وكأمريكي يرى نفسه ضيفا على العراق، قضى في أمريكا أكثر من نصف عمره، ويكتب الشعر بالإنجليزية، والشعر الشعبي العراقي.

الشاعر والإعلامي العراقي "جابر الجبوري" قادم من الولايات المتحدة الأمريكية أيضا يزور العراق لأول مرة منذ 25 عاما، يقول جئت فرأيت العراق وردة مفتحة بدون حزب البعث.

يقول: "شاركت في تحرير العراق مع اخواننا الأمريكان في 2003، فالعراق كان محتلا من قبل نظام البعث".

وحول كيفية مشاركته في الحرب يقول انا شيخ عشيرة كان معي تنظيم العشائر العراقية شاركنا في التحرير مع الأمريكان، وظللت بالعراق 3شهور.

وحول ما آلت إليه العراق الآن يقول هي وردة برغم التفجيرات، ودليل على أن الشعب العراقي يقف ويعيش برغم الأزمات، فالتفجيرات هي بفعل فاعل مسلم عربي فلا توجد أي يد أجنبية في العراق، وهم يقومون بهذا بالتعاون مع الأيادي الخبيثة في العراق.

وحول الاحتفال ببغداد عاصمة الثقافة، والذي امتد على مدى عام كامل قال من أهداف الإرهاب في العراق تجهيل الشعب العراقي المثقف، هم يعلمون أن العراق بلد المتنبي، وعلى بن أبي طالب أول من أوجد النحو، فالإرهاب يريد تجهيلنا عبر الجانب الطائفي، لكن بغداد ستبقى أم الثقافة العربية وكعبة المثقفين العرب وأم الرصافي والجواهري.

الفنانة التشكيلية العراقية هناء الخطيب هاجرت إلى السويد قبل 14 عاما، ومنذ هذا الوقت لم آت إلى بغداد، لتبكي وطنها منذ نزولها من المطار والمرور بطريقه الذي كان حافلا بالنخيل والزرع، إلا أنها وجدته اختفى ولما سألت قالو لها إنها احترقت.

وترد على رؤيتها لوضع بغداد الآن بتنهيدة، قائلة: رغم الخراب فالحل موجود، فقد تفاجأت بالجدران العازلة بين الشوارع إلا أنه برغم ذلك فهناك جداريات على طول الطريق.

وتشير إلى أنها حققت منجزا ثقافيا في بناء جسور بين العراق والسويد، في الفن والفكر بين السويديين والعراقيين مشيرة إلى أنهم عانوا سنوات لم يفهموا إلا الآن أن العراق رب الحضارة، كانوا لا يصدقون أننا أصحاب الحضارة، بدءوا يفهمون من نحن، لم يكن يصدقوا.

وإشارة إلى أهمية الدعوة لمؤتمر سنوي لمبدعي المهجر يضم المبدعين في العراق، حتى تمد الجسور لإقامة فعاليات مختلفة لفناني المهجر.

حول وضع المهاجرين العراقيين، خاصة المبدعين وكيفية استيعابهم من قبل الدولة قال عقيل المندلاوي مدير إدارة الثقافة في وزارة الثقافة العراقية أن هناك أكثر من 4 ملايين مهاجر أو مهجر عراقي، ربما العدد زاد، منتشرين في أنحاء العالم، الأكثرية منهم في أوربا وأمريكا الشماية، وأغلبهم كانوا مقموعين من قبل النظام السابق.

ويرى أنه من الصعب احتضان جميع الطاقات إلا أن الوزارة شرعت في بعض الإجراءات، حيث يجري العمل على افتتاح 16 مركزا ثقافيا في أنحاء مختلفة من العالم، فجرى فتح 4 مراكز في كل من لندن، واشنطن، استكهولم، بيروت، وهذه خطوة أولى للتواصل.

وحول إقامة مؤتمر سنوي يجمع المبدعين العراقيين حول العالم يشير إلى أن هناك ملتقى المنظمات الثقافية في الخارج، يقام كل عامين، وهذه المنظمات تقوم بدعوة عدد كبير من المبدعين الذين تتواصل معهم، إضاة إلى إجراء ثالث، وهو من اختصاص ومار التعليم العالي عبر تشجيع عودة الكفاءات.
الجريدة الرسمية