كلنا خالد سعيد...
"كلنا خالد سعيد"... عبارة انتشرت فى مصر قبل الثورة، فى شكل هتافات ولافتات وصفحات على شبكات التواصل الاجتماعي، والحقيقة أنها عبارة كان لها صدى كبير فى نقل قضية خالد سعيد بصفة خاصة، وقضايا التعذيب بصورة عامة إلى عقل وقلب المواطن مصري، حتى إنه آمن وتفاعل وثار مدافعًا عن حق الإنسان فى الحياة والكرامة الإنسانية.
فعندما انتشر نداء "كلنا خالد سعيد"، كان المقصود منه أننا كلنا خالد سعيد الذى رفض الظلم والمهانة، ولكن من الواضح أن هذا النداء قد أسىء فهمه من جانب الطرف الآخر -الأجهزة الأمنية- وتم تفسيره على أننا كلنا خالد سعيد الذى عذبته الأجهزة الأمنية حتى مات مظلومًا، وبدأت تلبى هذا النداء -وفقًا لمنظورها- بمزيد من التعذيب للشباب، الذى ظل -بعد الثورة- يتساقط فى أقسام الشرطة ومعسكرات الأمن المركزي.
فقد جاء استشهاد الشاب محمد الجندى على يد قوات الشرطة بمثابة انتكاسة كبرى لثورة كان أول وأهم أهدافها رفض القمع والتعذيب الذى ظلت داخلية مبارك تمارسه ضد الشعب طيلة ثلاثين عامًا، فعلى الرغم من قيام ثورة وتغيير نظام بأكمله، إلا أن التعذيب ما زال مستمراً، ويمارس وبصورة ممنهجة من جانب جهاز الداخلية.
والحقيقة أن هذه السياسة الوحشية التى مازالت الداخلية تمارسها، تشير إلى نقطة فى غاية الأهمية، وهى أن الثورة لم تصل بعد إلى تلك المؤسسة، على الرغم من أن هناك العديد من الرسائل التى بعثها الشعب المصرى خلال ثورته العظيمة إليها، فألم يكن انطلاق دعوة الثورة من صفحة "كلنا خالد سعيد" رسالة لرفض التعذيب؟، وألم يكن اختيار يوم 25 يناير -عيد الشرطة- كتاريخ لبدء الغضب رسالة لتوضيح من المقصود أن يوجه إليه هذا الغضب؟، وألم يكن حرق 99 قسم شرطة خلال أيام الثورة رسالة لرفض الممارسات التى تتم داخل هذه الأقسام؟، ألم تكن كل هذه الرسائل كفيلة لتثبت أن الشعب المصرى رافض لكل سياسات هذا الجهاز القمعي؟!
وبالتالى فإن عدم تفهم جهاز الداخلية لأهداف الثورة التى قامت بالأساس ضد قمعها من ناحية، وتوالى النداءات والمبادرات التى تنادى بضرورة إعادة هيكلة الداخلية من ناحية أخري، يشير إلى إشكالية فى غاية التعقيد، وهى أن الحل لا يتمثل فى تغيير قيادات، وإنما يتمثل فى تغيير عقيدة عمل حبيب العادلى على ترسيخها فى عقول وضمائر معظم من ينتمون إلى هذا الجهاز، حتى أصبحت بمثابة سياسة معتادة ومبررة فى كثير من الأحيان.
وبالتالي، وفى ظل استمرار هذه العقيدة القمعية من جانب جهاز الداخلية، سنظل فى إطلاق نداءاتنا "كلنا خالد سعيد، وكلنا السيد بلال، وكلنا عصام عطا، وكلنا محمد الجندي، وكلنا............."، ولكن من منظورنا نحن، وليس من منظورهم هم.