الاتجاه شرقًا بداية إسقاط الهيمنة الأمريكية
العلاقات «المصرية- الأمريكية» لن تعود إلى سابق عهدها من الخضوع الكامل والخنوع المتواصل لما تمليه علينا سياسة البيت الأبيض، والعلاقات المصرية- السوفيتية لن تعود إلى ما كانت عليه في خمسينيات وستينيات القرن الماضى، وذلك لتغيرات في الخريطة الدولية تفرض على صانع القرار في كل دولة التحرك وفق تعاريج تلك الخريطة.. هذا هو الواقع الجديد، ولكن الثابت أن زيارة المشير عبد الفتاح السيسى لروسيا قد أخرجت ما في أدراج مراكز البحوث السياسية على مستوى العالم للنقاش بوجه عام وعلى مستوى واشنطن بوجه خاص.
الاتجاه شرقا هو أحد أهم مضامين الاستقلال الوطنى الذي لم يستطع مبارك الحفاظ عليه حتى عندما أعاد العلاقات الدبلوماسية المصرية الروسية عام ١٩٨٤ ولا حتى عندما أراد اللعب مع الأمريكان بالاستعانة بخبراء روس لإعادة تشغيل مصانع الألومنيوم بنجع حمادى، حيث كانت الحرب الباردة قد أوقعت الروس في فوضى الانفصال المتتالى لقطع من لحمه الحى، في حين واتت المشير السيسى الفرصة وسط محيط دولى يدفع مصر إلى ضرورة الانتفاض من غبار السيطرة الأمريكية.
والتحرك المصرى شرقا كان رغبة تلح على الخاطر السياسي دون تنفيذ بسبب هشاشة نظام مبارك واستسلامه لرغبات البيت الأبيض وهيمنته على المنطقة بأسرها وظلت الأحزاب السياسية والقوى العاملة في الشارع السياسي تطالب بتوازن في العلاقات المصرية يعيد إلى القاهرة حيويتها التي تفرض عليها خلق بدائل سياسية كلما أغلق باب استطاعت أن تفتح آخر.
الأمريكان قالوا قديما للسادات إنهم سيمنحونه ما كانت الدول العربية تساهم به من مساعدات لمصر ودارت الأيام دورتها ليعيد التاريخ كتابة جزء من الواقع الجغرافى للمنطقة وتوقف أمريكا مساعدات فنية عسكرية فتقود الدول العربية للقيام بدورها الطبيعى وتعلن روسيا عن استعدادها لدعم قواتنا المسلحة بما تحتاج إليه من أسلحة.
الأمريكان أعلنوا عن تأجيل المناورات العسكرية «النجم الساطع»، رغبة منهم في التدخل السافر في شئوننا الداخلية.. وها هى روسيا توافق على مناورات مصرية روسية مشتركة.. هكذا تعتدل الأمور وهكذا يعود للقاهرة قرارها ذلك القرار الذي لا نستهدف منه استبدال النفوذ الأمريكى بالنفوذ الروسى وإنما يستهدف في المقام الأول والأخير مصلحة مصر واستقلالها وبناء علاقات ندية دون خضوع أو خنوع.
وإذا كنا نرفض التدخل الأمريكى في شئوننا ونرفض تلك الوقاحة في التعامل مع الملفات الداخلية وإعلان السفارة الأمريكية أنها تتفاوض مع جماعة يرى الشعب المصرى وتشهد الوقائع اليومية أنها جماعة إرهابية فإن نفس المنطق يجعلنا نتعامل مع ما قاله الرئيس الروسى فلاديمير بوتين من أنه يدعم المشير السيسى على نحو غير جاد، إذ أن هذا الأمر متروك للشعب المصرى يقرره في الانتخابات الرئاسية التي تطرق الأبواب.
ورفضنا للتدخل في شئوننا يجب أن يكون إطارا إستراتيجيا حاكما لتحركاتنا كقوى سياسية أو جماعات صحفية أو مواطنين، إذ أن هذا الملف يتطابق مع شعارات كنا قد أطلقناها حول الكرامة والحرية ولا كرامة مع تبعية ولا حرية مع خضوع، وهو الأمر الذي يجب أن يعلنه كل المرشحين لمنصب الرئيس باعتباره برنامجا وطنيا لا يقبل النقاش أو الجدل.. وكفانا ما عانيناه من ضياع لحقوقنا وهيبتنا ودورنا منذ أن أصبحت القاهرة واحدة من الولايات الأمريكية تأتمر بأمر حاكمها.
وللاستدلال، فإن كل من وضعوا بلادهم تحت نير السيطرة الأمريكية انتهوا نهاية تتوافق مع نهايات كل العملاء وكل من استسلم لأي قوة أجنبية لم يسلم يوما من فقدان قدرته على حماية مصالح بلاده، وهو ذاته الأمر الذي يدفعنا إلى المطالبة بالتحرك شرقا ولكن بعقل ومنطق الراغب في الاستقلال.