رئيس التحرير
عصام كامل

لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ

فيتو


إنه لا يُرى في الدنيا لقوله تعالى لموسى وقد طلب رؤية الله: " لَنْ تَرَانِي" [الأعراف: 143]، ولقول النبي "ص" في حديث الدجال: "لن تروا ربكم حتى تموتوا"، أما رؤية الله في الآخرة فكانت للمؤمنين وثابتة بالكتاب والسنة وإجماع السلف، وهذه الرؤية ستكون بالأبصار.


بهذه الردود فسر السلف الصالح لماذا لا نرى الله في الدنيا؟!، إذ أن العقيدة توجب الإيمان بالغيب، وأن الله تعالى غيب ورؤيته في الدنيا تتنافى والتسليم بالغيبيات، سواء في هذه النقطة أو بالقدر خيره وشره، واليوم الآخر، والجنة والنار والملائكة.

الأمر الثانى من وجهة نظر السلف الصالح تكمن في الحكمة وراء عدم رؤية الله في الدنيا، إذ كان مفاده رحمة القدير بنا، فالحديث الشريف يقول: "الله حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه"، صحيح مسلم في باب الإيمان، أما في الآخرة فسيري المؤمنون ربهم وسيكون أعظم ثواب لهم على طاعته وإيمانهم به عز وجل.

تقوم عقيدة السلف في الإيمَانِ بِاللهِ على ما وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي كِتِابِهِ الْعَزِيزِ، وَبِمَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ الكريم؛ حيث تكون رؤيته مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلاَ تَعْطِيلٍ، وَمِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلاَ تَمْثِيلٍ، فالله له وجه ويد وساق ويسمع ويرى ولكن لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ، فَلاَ يَنْفُونَ عَنْهُ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، وَلاَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ، وَلاَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَاءِ اللهِ وآيَاتِهِ، وَلاَ يُكَيِّفُونَ وَلاَ يُمَثِّلُونَ صِفَاتِهِ بِصِفَاتِ خَلْقِهِ، لكنهم لا يمثلون صفاته بصفات خلقه؛ لأنه سبحانه لا سميَّ له، ولا كفؤ له ولا ند له، ولا يقاس بخلقه سبحانه وتعالى.
ومن الأدلة التي يستعين بها السلفيون من القرآن الكريم للدلالة عن تنزيه عن التشبيه والتمثيل، قوله تعالى "رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا" [مريم: 65.
من الإيمان بالله أيضًا الإيمان بأسمائه الحسنى وصفاته العليا الواردة في كتابه العزيز، والثابتة عن رسوله الأمين، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، بل يجب أن تُمرَ كما جاءت به بلا كيف مع الإيمان بما دلت عليه من المعاني العظيمة التي هي أوصاف الله عز وجل، يجب وصفه بها على الوجه اللائق به من غير أن يشابه خلقه في شيء من صفاته، كما قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ

فكما أن له سبحانه ذاتًا حقيقية لا تشبه ذوات خلقه، فكذلك له صفات حقيقية لا تشبه صفات خلقه، ولا يلزم من إثبات الصفة للخالق سبحانه مشابهتها لصفة المخلوق، وهذا هو مذهب سلف الأمة من الصحابة والتابعين، ومن سار على نهجهم في القرون الثلاثة المفضلة، ومن سلك سبيلهم من الخلف إلى يومنا.

وهناك آيات بالقرآن تسمى "آيات الصفات" ومنها {اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (الأعراف:54)، وقال: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} (الرحمن:27)، وقال: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} (المائدة:64)، وقال الرسول: إن الله ينزل إلى السماء الدنيا، وقال: "قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن".

وقد فسر الشيخ عبد العزيز بن باز في قوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ} [سورة القلم: بأن المراد يوم يجيء الله يوم القيامة ويكشف لعباده المؤمنين عن ساقه، وهي العلامة التي بينه وبينهم سبحانه وتعالى، فإذا كشف عن ساقه عرفوه وتبعوه.
الجريدة الرسمية