لا بَحِبَّك ولا بَقدَر على بُعدك!
لأنى من الشارع.. وفى الشارع.. فقد استوقفنى ما لمسته من حالة عدم ارتياح لاستمرار طرق أبواب إلى الصديق والشقيق للاستدانة أو طلب المساعدات. ليكن لذلك الشعور احترامه.. لكن دعنى أسألك وما البديل في هذه المرحلة المرتبكة والعصيبة؟
الجواب الجاهز: لنحفظ ماء الوجه، ونفعل كما يفعل الكثيرون ونلجأ إلى صندوق النقد الدولى.
حسنًا.. قبل أن ينقح عليك عرق الكرامة.. دعنى أذَكِّرك بما قالته "كريستين لاجارد"، مدير عام الصندوق، قبل مغادرتها القاهرة في آخر زيارة لها منذ عدة أشهر بعد فشل المفاوضات.. قالت لاجارد: "إن الصندوق لا يعطى منحًا مجانية".
إذن هناك مقابل.. لكن من الذي يحدده؟ وما طبيعته؟ من يحدد المقابل الولايات المتحدة الأمريكية، التي تتحكم عمليًا في سياسة الإقراض.. ذلك أن سياسة الإقراض تتطلب موافقة الدول الخمس الكبرى بمجلس الأمن الدولى، تتصدرها أمريكا ذات القوة التصويتية الأكبر بموجب حجم حصتها (لاحظ أن صندوق النقد الدولى إحدى الوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة).
المحصلة إذن أن تعامل الصندوق مع مصر رهن الشروط الأمريكية، وإن شئت الدقة قل الرغبات أو الإملاءات الأمريكية.. وهى تنقسم في العادة إلى نوعين:
النوع الأول يتعلق باحترام معاهدة السلام والتعهدات الإقليمية والدولية التي تصب في صالح أمريكا مهما تقاطعت وتعارضت مع الثوابت الوطنية والقومية بل الدينية أحيانًا.
النوع الثانى هو إحداث التوازن القسرى للموازنة العامة للدولة، وهذا النوع يفتقد المسئولية الأخلاقية والإنسانية والاجتماعية رغم اللافتة المعلنة لهدف الصندوق من الإقراض.. وفى سبيل ذلك يوصى أو بالأحرى يفرض تخفيض دعم الغذاء والطاقة، وتخفيض باقى النفقات العامة المنوط بالدولة إدارتها بحكم مسئولياتها الاجتماعية والاقتصادية والقومية تجاه مواطنيها كالتعليم والصحة والإسكان.. الأمر الذي يجهد الطبقات الفقيرة ويزيد من وطأة مصاعب الحياة وقسوتها.
ومما يزيد الطين بلَّة أن الصندوق يوصي بتعظيم الإيرادات العامة عن طريق فرض ضرائب جديدة بأنواعها المختلفة.. والغريب أن يتم ذلك دون التعرض للجمارك لتعارضها مع مصالح الدول الغربية المصدرة لنا، ثم يطالب بتعويم الجنيه للعمل على تخفيض قيمته أمام العملات الأجنبية، وبالتالى تنخفض الواردات وتضيق الفجوة بينها وبين الصادرات، وذلك هو السبيل لإحداث التوازن القسرى في الميزان التجارى.. وكما نرى كل ذلك يمثل أعباءً لا طاقة للفقير بها.
في تقديرى إننا في نهاية المطاف سنلجأ أو قل سنرضخ للصندوق أو بالأحرى لمن بيده مفتاح الصندوق.. سنتجرع المرارة.. وكما قال المصريون إيه اللى رماك على المُر قال اللى أمَرّ منه.. قالوا أيضًا لا بحبك ولا بقدر على بعدك.. وقال عبد الوهاب تلاوعنى برضه أحبك، تخنقنى برضه أحبك، تخرب بيتى برضه أحبك.. باختصار هو حكم القوى على الضعيف.. يا حلاوة.