رئيس التحرير
عصام كامل

غيبوبة الجهل المرة


لابد أن نعترف أولًا بأننا نمارس الجهل بكل أنواعه في حياتنا اليومية قبل أن نفكر في الخروج من أزمتنا الحالية.. فنحن نعيش مفاهيم مغلوطة عن الدين والسياسة والعلم والمجتمع وعلاقتنا بالغير وبالمجتمعات الخارجية.. فالمقال لا يتسع لسرد كل الأمور ولكنى سألقى الضوء على شىء تُقاس عليه بقية المفاهيم المغلوطة التي نصدقها ونمارسها في كل لحظة من حياتنا اليومية.


فمثلا تتناول السينما منذ زمن بعيد إلى الآن قضية (المحلل) والتي تشرح للناس أن الرجل ما أن طلق زوجته للمرة الثالثة ويريد العودة إليها بعد هذه الطلقة فإنه لابد أن يبحث عن زوج يزوجها لها تعاشره الزوجة معاشرة الأزواج لمدة يوم واحد فتحل لزوجها الأول.

وكل الأفلام الكوميدية سخرت من هذا بأن يعطى الزوج الأول أموالا لكى لا يقترب الزوج المحلل من زوجته وكان الأجدى بالزوج أن يكون الزواج صوريًا بدون بيات الزوجة مع المحلل حتى لو بدون معاشرة ولكنها الحبكة الكوميدية لإضحاك الجمهور لا أكثر.

ولكن المهزلة هنا أن الجماهير مسلمين أو مسيحيين أو أي ديانة أخرى صدقت أن قضية المحلل من الحلائل الدنية شرعًا والتي ليس لها بديل في تلك الحالة.

وقد نسوا الحديث القائل (( لعن الله المحلل والمحلل له)) فإنه زنا يشترك فيه المطلقان لصالح رجل آخر متخيلين أنه زواج شرعى وإذا سألت أحد المسلمين مستنكفًا عن هذا الفعل قام ودافع دفاعا مستميتا ليوضح على أنها فريضة فرضها الله على هذا الزوج لعقابه.. وأصبح هذا التفسير من ثوابت عقائد المسلم فما بالك بغير المسلم؟ أيعاقب الله الرجل بفعل أبغض الحلال بأبشع الحرام وهى خطيئة الزنا؟

فالناس كما تأخذ دينها من البرامج الدينية والتي تحوى في طياتها من خلال بعض برامجها أفكارا إرهابية متطرفة فالسينما والإعلام عمومًا أكثر تأثيرًا عن تلك البرامج.

وليس عجيبًا أن تسمع من الناس والأغرب أن منهم المثقفين والحاملين لأعلى الشهادات لأقوال مثل أن الأزهر ليس به علماء وهم ليسوا أهل فتوى.. فإن كان علماء الأزهر ليسوا بعلماء فمن العلماء إذًا؟ ومن هم مصادر الفتوى وماهى مواصفاتهم الفكرية؟

فهى أفكار روجها التكفيريون والإرهابيون بجميع طوائفهم لهدم الأزهر الشريف وتشتيت أفكار الناس لصالح فكرهم الإرهابى وتسهيل حشد الناس لزعزعة استقرار الدولة.. وكثير من المفاهيم المغلوطة التي لا حصر لها يمارسها المجتمع المصرى وأصبحت كالدماء تسيرى في عروقه تحتاج لسنوات وسنوات لتغييرها.

والغريب أننى لم أسمع أن أحدًا من المشايخ وخصوصًا مشايخ الفضائيات قام ليندد بما يعرض على شاشات التلفاز والسينما من معلومات مغلوطة كهذه أو يعقب عليها أو يثيرها كقضية عامة لخطورتها على المجتمع بأسره.

فهى غيبوبة من الجهل المر لم تفق منها الدول العربية منذ زمن بعيد.. وإن فاقت لحظات تعود لتتمسك بغيبوبتها من جديد.. لذلك فالتعليم والعلم والانفتاح على العالم الخارجى المتحضر هو الحل الوحيد لإيقاظنا من تلك الغيبوبة لنبدأ السير نحو الأمام وقد تعودنا أن نسير للخلف متخيلين أنها المقدمة.

هذا المجتمع يسهل فيه ترويج الشائعات التي تفتك بالناس وتقسيمهم إلى فرق متناحرة فيما بينها وتهدم قواعد بناء الدول إن كان لنا قواعد.. وأحب أن أقول في نهاية المقال إننى لست من علماء الدين ولكنها "بديهيات" وأسس يعرفها من يحاول القراءة السريعة في الكتب.. ولكننا لأننا مجتمع خصب للجهل فسريعًا ما تثمر فيه بذور الإرهاب التي تُروى بالمفاهيم المغلوطة كهذه ويسهل فيها حشد الحشود التي تتوهم أنهم يحسنون صنعًا.. وهم للخراب والكفر يقدمون.. لك الله يا مصر وفقك الله وراعاك.
الجريدة الرسمية