رئيس التحرير
عصام كامل

"دفء الأموال" يذيب جليد 30 عامًا من "الحرب الباردة" بين مصر وإيران.. "نجاد" يغازل الإخوان بملايين طهران.. والجماعة ترحب.. وتترقب موقف دول الخليج

مرسى ونجاد
مرسى ونجاد

أثارت زيارة الرئيس الإيرانى محمود أحمدى نجاد للقاهرة الأسبوع الحالى، جدلا واسعا فى الأوساط الاقتصادية المصرية، لا سيما مع إبداء مسئولين فى البلدين عدم الممانعة فى إحداث نوع من التقارب على الصعيد الاقتصادى، فى محاولة لاستغلال "دفء الأموال" فى التقليل من حدة صقيع "حرب باردة" دامت لأكثر من 30 عامًا بين البلدين، ومنذ قيام الثورة الإيرانية.


ويزور نجاد القاهرة فى هذه الأثناء لحضور قمة التعاون الإسلامى التى انطلقت اليوم الأربعاء.

وقال خبراء اقتصاد: إنه يمكن للبلدين تحقيق منفعة اقتصادية متبادلة، لكنهم رجحوا ألا يشهد الوضع الحالى حراكًا كبيرًا، لا سيما وأن طهران لم تبد بعدُ تغيرًا فى مواقفها تجاه عدد من القضايا الخلافية، ما يدفع القاهرة إلى التريث كثيرًا فى الاندفاع نحو إحياء علاقات اقتصادية وسياسية، ربما يكون ثمنها مزيد من عزوف المستثمرين الخليجيين عن القدوم لمصر.

وفى حواره مع صحيفة الأهرام المصرية، نشر اليوم، قال الرئيس الإيرانى إنه عرض على مصر منحها قرضًا، موضحًا: "أعلنت من قبل أننا يمكننا أن نقدم خطًّا اعتماديًّا وائتمانيًّا كبيرًا للإخوة المصريين"، فى تمهيد يرى محللون أن تطورًا كبيرًا فى العلاقات المصرية الإيرانية قد يحدث.

وقال إسماعيل حسن، رئيس بنك مصر إيران للتنمية والمحافظ السابق للبنك المركزى المصرى، فى مكالمة هاتفية لوكالة الأناضول للأنباء اليوم: "العلاقات الاقتصادية بين مصر وإيران شبه مجمدة، فهى تقتصر على استثمارات محدودة موجودة منذ أكثر من 30 عامًا دون تحريك لها".

وأضاف حسن: إنه كلما يحدث نوع من التقارب فى الملف الاقتصادى بين الحين والآخر تنشأ بعض المشاكل السياسية التى تعيد الأمور إلى حالة الجمود من جديد.

وأشار إلى أن الاستثمارات الإيرانية فى مصر ليست بالكبيرة، وتقتصر على 3 مشروعات مشتركة تتمثل فى بنك مصر إيران للتنمية، والذى تستحوذ طهران على 40% من أسهمه، وشركة مصر إيران للغزل والنسيج، وشركة ثالثة فى قطاع الملاحة.

وبنك مصر إيران للتنمية هو بنك مصرى يخضع لرقابة البنك المركزى المصرى، تأسس فى 27 مايو 1975 قبل قيام الثورة الإسلامية فى إيران كشركة مساهمة مصرية.

ويبلغ رأسمال البنك حسب الموقع الرسمى للبنك على الإنترنت 300 مليون دولار أمريكى.

وقال رئيس بنك مصر إيران: إنه يمكن للإيرانيين ضخ استثمارات كبيرة فى عدد من القطاعات التى يهتمون بها، ومنها السياحة، خاصة أن الإيرانيين يحبون زيارة العتبات المقدسة.  

وتضم مصر أغلب أضرحة أهل بيت الرسول محمد (صل الله عليه وسلم)، وهى تعتبر من الأماكن المقدسة التى يزورها الشيعة الإيرانيون.

وأشار إلى أنه سبق أن أعلن مسئولون إيرانيون إمكانية ضخ استثمارات بقيمة 5 مليارات دولار فى مصر تعادل 30.3 مليار جنيه.

وأضاف حسن: "نأمل أن يأتى الوقت للسماح بتدفق الاستثمارات الإيرانية وتحسن العلاقات الاقتصادية، لا سيما وأن مصر وإيران دولتان كبريان".

وانحسرت العلاقات المصرية الإيرانية خلال الأعوام الثلاثين الماضية بين التوتر والفتور، على خلفية توقيع مصر معاهدة السلام مع إسرائيل، ثم دعم مصر للعراق فى حربها مع إيران، واتهام القاهرة لطهران برعاية الإرهاب فى الشرق الأوسط، ودعم الجماعات الإسلامية المسلحة فى مصر خلال فترة التسعينيات.

وقبل هذه الفترة كانت العلاقات قوية وتعاونية بين البلدين مطلع القرن الماضى، ووصلت إلى حد المصاهرة بين الأسرتين العلوية فى مصر، والبهلوية فى إيران، قبل أن تنتقل إلى حالة عداء إثر قيام ثورة يوليو 1952، ودعم مصر لرئيس الوزراء الإيرانى محمد مصدق ضد نظام الشاه.

وقال السفير جمال بيومى، رئيس اتحاد المستثمرين العرب: "ليس لدى مصر مانع فى إقامة علاقات اقتصاية مع إيران والسماح بتدفق استثمارات إيرانية، لكن المشكلة تكمن فى الإيرانيين أنفسهم".

وأضاف بيومى فى مكالمة هاتفية لوكالة الأناضول للأنباء: "هم من قطعوا العلاقات مع مصر، نحن مع أن يكون هناك تعاون اقتصادى، لكن لا بد أن تكف إيران عن سياستها العدائية تجاهنا وتجاه دول الخليج العربى".

وقال: "يمكن لمصر إحياء علاقات مجمدة، لكن شريطة بعث رسائل إلى الخليجيين والولايات المتحدة الأمريكية معا، بأن هذه العلاقات الاقتصادية لا تمثل تهديدًا للخليجيين، كما أنه يمكن لمصر أن تلعب دور الوسيط فى تهدئة الخلافات السياسية بين طهران وواشنطن، خاصة فيما يتعلق بالملف النووى الإيرانى".

وأضاف: "على إيران أيضا أن تكف أيضا عن النشاط السرى الإيرانى فى الساحة المصرية، وحينها يمكن التأسيس لعلاقة جديدة يتم استغلال دفء العلاقات الاقتصادية فى إزالة تلال جليد من الحرب الباردة بين البلدين".

كانت مصر طردت الدبلوماسى الإيرانى، محمد قاسم الحسينى، فى مايو 2011، بتهمة التجسس.

ورغم تزايد التكهنات بعودة العلاقات بين القاهرة وطهران بعد نجاح ثورة 25 يناير، وزيارة وفد دبلوماسى شعبى مصرى لإيران عام 2011، إلا أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين سجلت تباطؤًا كبيرًا.

وحسب إحصاءات وزارة التجارة الخارجية والصناعة المصرية، فإن حجم التبادل التجارى بين مصر وإيران بلغ نحو 100 مليون دولار خلال الـ 9 أشهر الأولى من العام الماضى 2012، لتبلغ قيمة الصادرات المصرية نحو 57.6 مليون دولار.

وقال سعيد عبد الله، رئيس قطاع الاتفاقيات التجارية بوزارة التجارة والصناعة: إن الصادرات المصرية تتركز فى 3 سلع هى البرتقال والدخان والزجاج، بينما تتركز الواردات من إيران فى بعض منتجات البتروكيماويات مثل الميثانول والبولى إيثيلين.

وبينما رأى مسئول فى جمعية رجال الأعمال المصريين، أن مصر ربما تستخدم ورقة التقارب من إيران للضغط على بعض دول الخليج العربى المتخذة مواقف مناهضة للثورة المصرية والنظام الحالى، استبعد السفير جمال بيومى، رئيس اتحاد المستثمرين العرب، هذه الخطوة.

وقال بيومى: "حتى لو سمحت مصر بانفتاح فى العلاقات وقدوم استثمارات إيرانية، ستظل الاستثمارات الخليجية لها وضعها فى مصر، وسيستمر الحفاظ عليها لأنها ليست بالقليلة".

كان رئيس مجلس الأعمال المصرى السعودى، عبد الله دحلان، قد حذر فى تصريحات له مؤخرًا من انتقال الصراع «الخليجى - الإيرانى» إلى الأراضى المصرية عبر محاولة الطرفين السيطرة على مجال الاستثمار فيها باعتبارها الدولة الأكبر بالمنطقة.

وقال دحلان: إن هناك استثمارات إيرانية مقبلة على مصر بقوة لتنافس الاستثمارات الخليجية.

لكن وزير الخارجية المصرى محمد كامل عمرو قال فى تصريحات له أمس: إن علاقات مصر بأية دولة لن تكون أبدا على حساب أمن دول أخرى، وإن أمن دول الخليج بالتحديد هو خط أحمر لها، ولن تسمح مصر بالمساس به أبدا.

وأظهر تقرير رسمى صادر عن الهيئة العامة للاستثمار، أن الاستثمارات الإيرانية تباطأت بشكل حاد عقب 25 يناير 2011، لتسجل 170 ألف جنيه فقط (نحو 25.7 ألف دولار)، مساهمة فى رأسمال مصدر دون تحديد إذا ما كان تم ضخه فى شركة واحدة أو أكثر.

وذكر التقرير أن إجمالى الاستثمارات الإيرانية فى مصر بلغ 138 مليون دولار، ولفت إلى أن العام المالى 1975/ 1976 كان أكثر الأعوام التى شهدت تدفقا للاستثمارات الإيرانية بقيمة 41 مليون دولار.

الجريدة الرسمية