رئيس التحرير
عصام كامل

الحرية من دهب


أعتقد أن مشهد "دهب حامد عبد الله" السجينة ذات الثمانية عشرة عامًا التي وضعت ابنتها "حرية" وهى مكبلة بالكلبشات بسرير المستشفى بعد أن تم اعتقالها وهي حامل في الشهر التاسع لتفاجئها آلام الوضع وهى قيد الاعتقال ومنعتها الكلبشات من أن تحتضن رضيعتها كباقى الأمهات سوف يكون مادة ثرية لصناع الأفلام السينمائية من كتاب ومخرجين خلال الفترة القادمة.. خاصة بعد الحوار الدرامى الذي دار بين النساء في العنبر والعسكري المكلف بحراسة دهب عندما طلبن منه أن يفك الكلبشات من يدها وأن يعطيها مساحة من الحرية لكي تتمكن من إرضاع ابنتها.


نساء في العنبر: يا ابني حرام عليك فك الكلبش من إيد البنية عشان تعرف ترضع بنتها.

العسكري: مقدرشي يا ست أنتي وهي دي مسئولية وبعدين مش لسة مرضعاها من شوية؟

النساء: يا ابني مفيش في قلبك رحمة؟ دي عيلة صغيرة وبنتها لسه لحمة، هي هتروح فين يعني ما أنت واقف على باب العنبر؟

العسكري: الأمر ميسلمشي وبعدين الظابط مشدد عليا ولو حصل حاجة أنا هروح في داهية.

هكذا دار الحوار فلم تطلق دهب اسم "حرية" على ابنتها اعتباطا فقد سمعت خلال السنوات القليلة الماضية كلاما كثيرا عن الثورة والثوار والسياسيين والإعلاميين والشعب وعن العيش والحرية والكرامة الإنسانية وأن عهد الامتهان لكرامة المواطن والقسوة قد مات بلا رجعة.

ففوجئت أنها في السجن لمجرد أنها تسير بجانب مظاهرة وأنها بدل من أن تذهب للدكتور لتضع حملها كبقية السيدات.. وجدت نفسها فجأة ذاهبة إلى قسم الشرطة والنيابة والحبس.. ولا يوجد لديها أدنى حرية لترضع ابنتها.. فقررت أن تصرخ صرختها الخاصة بعدما وقع عليها الظلم وتقول للجميع توقفوا فهناك مولودة خرجت إلى الدنيا. 

أول ما تنفست هواء كان هواء السجن وأول ما شاهدته عيناها في العالم الجديد هو سقف غرفة السجن.. وأن حق الرضاعة الذي منحه لها الله قبل أن يمنحها عباده.. أي حق لم تستطع الحصول عليه قبل أن تستأذن العسكري، والعسكري يستأذن الظابط، والظابط يستأذن وكيل النيابة، فصرخت دهب في وجه هذا العالم وأطلقت على صرختها اسم "حرية".

لقد انتبهنا إليك يا دهب وسط هذه الأصوات التي تعالت وزأرت في وجوهنا عندما طالبنا بمراعاة الحقوق والحريات والحفاظ على كرامة المواطن أثناء الحرب على الإرهاب، وأن هناك الكثير ممن ظلموا وأهينوا وسمعنا عن تجاربهم ولا دخل لهم ولا علاقة بجماعة الإخوان المسلمين وإرهابها وأنهم مجرد مواطنين بل جنود مجهولون حاربوا الإخوان وإرهابهم وذهبوا إلى التصويت على الدستور بكثافة عالية.. وكلهم أمل أن يطبق عليهم باب واحد فقط وهو باب الحقوق والحريات الذي قلنا لهم إنه أروع باب حريات في تاريخ الدساتير المصرية، أما بقية الأبواب فلا تعنيهم كثيرا فنادرا ما يطرقونها في انتخابات رئاسية أو برلمانية أو في حياتهم الوظيفية التي لم تتحسن بعد.

لقد وصلت رسالتك إلينا يا دهب وفهمناها لكنها لم تصل إلى هؤلاء المنافقين والمتاجرين والجبناء الذين حنوا إلى ماضي الظلم والفساد والقهر والاستعباد وكأنهم ولدوا ليكونوا هكذا ولم يولدوا كابنتك الحرة "حرية"، فالحرية تاج من دهب على رءوس الأحرار لا يراها إلا العبيد يا أم "حرية".
الجريدة الرسمية