أنا أكثرُ منك مالاً وأعزُّ نفرا
قلتُ له:"لا تُصعّر خدك للناس، واخفض من صوتك،ولا تمش فى الأرض مرحاً، إنك لن تخرق الأرض، ولن تبلغ الجبال طولًا، وتذكر يومًا أنك كنت فقيراً مُعدماً،لا تجدُ ما تسدُّ به رمقك، فأغناك اللهُ من فضله، ولا تنس يومًا أنك كنت كسيرًا ذليلًا، يتجنبك القوم.."، فقاطعنى ساخرًا: "لا أريد نصيحة من أحد، ولا منك أنت شخصيًا، لقد صرتُ إنسانًا آخر، لم أعد فقيرًا معدماً، ًبل أصبحتُ غنيًا بمال كثير، لم يساعدنى أحد فى الحصول عليه، بل أوتيته على علم عندى، لذا فإن من حقى أن أتصرف كيفما أشاء،لا سلطان لأحد، أى أحد، علىّ، فأنا أكثر منك مالاً وأعز نفرا..".
تأملتُ قسمات وجه مُحدثى، فلم أصدق نفسى، وتخيلتُه يمزح مزاحاً ثقيلاً، اعتاد عليه، منذ أن ودع الفقر، ولكن استطراده فى حديث الكبر والطغيان، أكد لى جديته فى انتهاج سلوك "محدثى النعمة"، الذين لا يردون فضلها إلى بارئهم، بل يقولون قول "فرعون":"إنما أوتيته على علم عندى"، فقلتُ له "هذا فراق بينى وبينك،لا أريد صداقتك من اليوم، فأنا لن أجاريك فى سلوكك الجديد.."، فلم يعقب، ما يعنى موافقته على ذلك، ناسياً كل ما قدمته له فى سنواته العجاف، قبل أن يمنّ اللهُ عليه بفضله، وانقطعت علاقتى به، وحذفتُ أرقام تليفوناته من ذاكرة هاتفى المحمول، ولم أكن أعلم عنه شيئاً، سوى من أصدقاء مشتركين، يسخرون من غروره واستكباره على أصدقائه المقربين وزملائه فى العمل، وجيرانه فى المنطقة الراقية التى انتقل إليها، بعدما ظل من سكان العشوائيات أكثر من ثلاثة عقود، ولم أكن أنطق بكلمة واحدة،لأننى طويتُ صفحته إلى الأبد..
اليوم، وقبل أن أشرع فى كتابة مقالى، وكنتُ أعتزم أن أتحدث فيه عن دلالة زيارة الرئيس الإيرانى "أحمدى نجاد" لمشيخة الأزهر الشريف، تلقيتُ اتصالاً تليفونياً، من رقم لا أعرفه، فلم أرد مرة، ومرتين، وفى الثالثة، رددتُ، فإذا به، يتحدث مذعورًا، طالباً مساعدته فى محنته التى ألمت به، وقبل أن أسأله عن تفاصيلها، استطرد قائلاً:لقد سُرقت أموالى، واعترضنى ملثمون على الطريق الدائرى، وسرقوا سيارتى، بعدما أجبرونى على توقيع "عقد مبايعة" لهم، تحت تهديد السلاح، حتى المبلغ الذى كنتُ أضارب به فى البورصة، خسرته أمس بأكمله، كما تصر طليقتى على الحصول على الشقة،لأننى كنت سجلتها فى الشهر العقارى، باسمها، قبل أسابيع قليلة...والله لم أعد أملك أى شىء، حتى الهواتف واللاب توب، سرقها لصوص السيارة.. اتصرف تعالى خدنى من هنا،لأننى لا أملك حتى أجرة التاكسى.."، وبعدما انتهى محدثى من استغاثته، قلت له بهدوء شديد :"الرقم المطلوب غير موجود بالخدمة"!.