رئيس التحرير
عصام كامل

الصعود إلى القمة


لقد تَعَلَّمْتُ مِنْ تأَمُّلاتى ومُشَاهَداتِى أنَّ الصُّعودَ إلى القِمَّة طريقُهُ شاقٌّ طويل، تَحْمِلُ صَاحِبَها على بَذْلِ ضِعْفِ طاقَتِه وحيويَّتِه، فإنَّ للطَّمَعِ لذَّةً تَسْتَدْعِى الصَّبرَ على العذابِ الوَارِف والوَجَعِ العَصِي، وأنَّ ارْتِفاعَ المنزلة تَعْقِدُ القلوبُ عليها آمالَها، وانْبِسَاطَ السُّلطان تلوذُ بحِياضِهِ الأَمَانِي، وامِْتدادَ القُوَّة لا تَنْأَى بالنَّفسِ عنِ الانْدِفاعِ والمُغامَرة، وأنَّ الصُّعودَ إلى القِمَّة يُفْسِحُ لأَهْلِه اسْتِقْبالَ أيَّامِهِم بمَوْفُورِ الثِّقة، ويَجْتَاحُ قُلُوبَهُم مُلِمَّات القضايا اجْتِياحَ العَواصِف، تُدْمِيهِم تَأَوُّهاتُها المَكْلومَة بما تَدَّخِرُه المَطامِع ممَّا يحُِبُّونه ويَكْرَهُونه .


فمنهم من يَدْعُوهُ ذلك إلى الارْتِفاعِ عَنِ النَّقائِص، والتَّنَزُّهِ عَنِ الصَّغائِر، مَثَلُهُم فى حِرْصِهِم على الشُّكْرِ المُتَّصِل، وتَأَدُّبِهِم مع المُنْعِم بالعَطاء، كمَتَلِ ما جاء على لِسَانِ سليمان عليه السَّلام لمَّا سَخَّر الله له الرِّيح والجِن، وعَلَّمَه مَنْطِقَ الطَّيْر والحَيَوان: { وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِى أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِى أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِى بِرَحْمَتِكَ فِى عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} .

ومنهم من يُمْعِنُ فى الإِقبالِ على الشَّهَوات، والإِسرافِ فى المَلَذَّات، يُصِيبُه ما يُصِيبُ المَحْمومَ مِنَ الهَذَيان، ولكن شَتَّانَ ما بين هَذَيانِ الحُمَّى وهَذَيانِ الطَّمَع، وشَتَّانَ ما بين مَنْ يَدْفَعُه الصُّعودُ إلى القِمَّة إلى طَلَبِ المَعالِي، والاسْتِكْثارِ مِنَ الفَضائِل ومكارِمِ الأخلاق، وبينَ مَنْ يَدْفَعُه الصُّعودُ إلى أَنْ يكونَ أَكْفَرَ النَّاسِ بالنِّعمة المُسْداة، وأَجْحَدَهُم بالصَّنيعَةِ المُهْدَاة، وأَشَدَّهُم إِنْكارًا للحق وإِعْلانًا للباطِل، يطلُبُ الجِدَّ فى مَوْطِنِ الهَزْل، والفَضَائِلَ بما يُقَوَّم بالثَّمَن، ويَنْشُدُ الغايات بما يُبَرِّرُها مِنَ الوَسائِل الرَّخِيصَة .

إنَّها تَجَلِّياتٌ لبعضِ الصُّوَر الاجتماعِيَّة، الغائِرَةِ فى عُمْقِِ الذِّهْنِيَّةِ المُعاشَة، وتأَمُّلاتٌ لأولئك الذين نَشْهَدُ ظُهُورَهُم وأُفُولَهُم مِنْ ذَوِى القُوَّة والبَطْش، والأَحْلامِ التى لا تَكَلُّ مِنَ البَحْثِ عن المَجْد ِالذَّاتي، على حِسابِ نَهْبِ خَيْرَاتِ بُلْدَانِهِم واسْتِغْلالِ وظَائِفِهِم، يُفِيضُون على رُؤُوسِ الخَلائِقِ فَضَلاتِهِم المُشْتَهَاة فيَشُهَقُونَ بِعَذابَاتِهم، ويتَجَرَّعُونَ مَوَاقِدَهُم مِنْ شِدَّةِ تَلَوُّثِ أفكارِهِم المَبْثُوثَة على صفحاتِ تاريخِهِم، المَشْحونِ بطُغْيانِهِم الفَاضِح، وعِصْيانِهِم الصَّاخِبِ بعَوْراتِهِم المُشَاعَة فى أُمْسِيَّاتِهِم البَهِيَّة، يركُضُون على أَدِيمِ الأرضِ وتُرابِها، ويَعْبُرونَ على أشْلائِها ويَسْتَحِمُّون بدِمائِها، ما يَرْوِى مطامِعَهُم مِنْ مَغَانِمِهِم المُسْتَطَابَة بجَرَائِمِهِم، التى تجاوَزَت كُلَّ المبادئ، واخْتَرَقَت كُلَّ الدَّسَاتير والقَوانِين الإِنسانِيَّة، وانْتَهَكَتْ كُلَّ الحُرُمات، واغْتَصَبَت كُلَّ الحقوق ..

DR.safiaa@hotmail.fr

الجريدة الرسمية