رئيس التحرير
عصام كامل

«أجهور».. «تجارة الرقيق» على الطريقة المصرية.. أهالي القرية يبيعون أطفالهم للأجانب بالتنازل أمام الشهر العقاري.. الفقر والجوع دفع أبناء «طوخ » لتسليم أبنائهم مقابل عقود ت

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

بعد عشرات السنوات على إعلان نهاية تجارة الرقيق وعنصرية البشر ضد بنى جنسهم، انتزع أهالي إحدى القرى بمحافظة القليوبية إنسانيتهم وتحجرت قلوبهم نحو فلذات أكبادهم، بعد أن وجدوهم عبئا عليهم، فاضطروا غير آسفين إلى التنازل عنهم أو بيعهم للغير ليكملوا عد أنفاسهم على قيد الحياة.

وبرغم أنها ظاهرة لم يعتدها المصريون من قبل في أي عصر ورغم أنها حالات فردية في بعض المناطق لظروف معينة، إلا أنها في قرية «أجهور» بالقليوبية تحولت إلى ظاهرة عامة، فأهل القرية وجدوا بحياتهم عسرا فلم يجدوا بين أيديهم حلا للتخلص من فقرهم إلا ببيع أبنائهم لمن يدفع أكثر..

فدون أي رحمة وقفت إحدى السيدات على الرصيف تودع طفلها الذي لم يتجاوز العشر سنوات بالقبلات والدموع والآهات على فلذة كبدها الذي باعته بنفسها لكى لا تراه مرة أخرى.

البداية تحكيها منى عبد الرافع أم أحد الأطفال الذين ذهبوا إلى إيطاليا بموجب عقد تنازل من والد الطفل وزوجها إلى أحد المصريين الذين يعيشون في إيطاليا، عن طريق وسطاء، يلجئون إلى هذه الحيل من أجل الحصول على أموال تدفعها الأسرة التي تنازلت عن ابنها، لتصبح الأسرة في دور الجانى والمجنى عليه في نفس الوقت.

وتسرد الأم بآهات مذبوحة ودموع مختلطة بالدماء وعيون حائرة ما بين الصواب والخطأ، حكايتها قائلة: لقد أقنعنى زوجى منذ ما يقرب من 5 سنوات أن أتنازل عن ابنى الوحيد لأحد الأشخاص الذين يعيشون في إيطاليا بحجة حصوله على الجنسية الإيطالية ولأن إقامته في مصر لن تصنع له مستقبلا كمثل الذي يصنع في إيطاليا، فوافقت الأم بعد ضغط شديد وخسرت من يومها فلذة كبدها الذي ودعته بقبلة وحضن تشم فيه رائحة جسده حتى الآن.

ولأن قضية بيع الأطفال أثارت ضجة هائلة بمحافظة القليوبية في كون قرية أجهور خرج معظم أهلها للتنازل عن أطفالهم بموجب عقود رسمية وتنازلات رسمية عن الأطفال حررت في محكمة القناطر الخيرية مئات من المحاضر وصل عددها إلى 422 محضر ضد أمهات وآباء باعوا أبناءهم من أجل حفنة من المال، لتصبح القضية قضية رأى عام تعبر عن خرق شامل لكل حقوق الإنسان عامة والأطفال خاصة وارتداد بهذه الأفعال إلى عصر العبودية، ونمط صارخ من أنماط الإتجار بالأطفال.
وأثبتت التحقيقات أن هذه التنازلات لا صحة لها بموجب القانون الذي يعطى الحق للنيابة الحسبية في تعيين الوصى على القاصر بعد موافقة المحكمة، وليس مجرد إقرار أو تنازل عن وصايته.

وكانت المفاجأة بعد ذلك هي وجود حالات كثيرة بالمحكمة تريد الحصول على حكم صحة توقيع، حيث كان المتنازل يقوم بكتابة إقرار يقر فيه بتنازله عن ابنه القاصر إلى المشترى على أن يتخذه ابنًا له، ويتولى رعايته وتربيته، ويكون له كافة الحقوق عليه، وكان من بين القضايا أم باعت طفليها القصر لأحد الأشخاص الذين يعيشون في إيطاليا مقابل أن يقوم برعايتهما وتربيتهما وتعليمهما وعلاجهما.

وكشف الوسطاء الذين يقومون بتسهيل عملية التنازل عن الأطفال في أجهور بالقليوبية من خلال إطار قانونى أن ذلك يتم بالتحايل للخروج من المسئولية القانونية.

الأهالي أكدوا بعدما باعوا أبناءهم أن ما قاموا به واقترفوه في حق أبنائهم لا يعد إلا صورة من صور التحايل القانونى بما يقدمونه من تنازلات تتم من أولياء الأمور والأوصياء والقائمين على الأطفال ببيعهم والتنازل عنهم كصورة من صور الإتجار بالبشر، وأنهم نادمون على أنهم اعتبروا أبناءهم مجرد سلع يمكن المتاجرة بها حتى لو صبت في النهاية لمصلحة هؤلاء الأبناء.

فيما اعتبر عدد من الحقوقيين أن تلك الجرائم تعبر عن السياسات الاقتصادية الخاطئة التي تنتهجها الحكومة المصرية والتي أدت إلى معاناة قطاع كبير من المجتمع الواقع تحت خط الفقر، كما أنها تعد من الجرائم التي تمثل وصمة عار على المجتمع.

الغريب في الأمر أنه بالرغم من ندم البعض ممن اقترفوا هذه الجريمة بين أبناء قرية أجهور إلا أن هناك البعض الآخر ما زال متمسكا بالفكرة باعتبار أن هذه الطريقة للسفر هي الطريقة المثلى بعيدًا عن السفر عن طريق الهجرة غير الشرعية، خاصة أن القرية فقدت المئات من أبنائها غرقًا في البحر في عمليات الهجرة عن طريق البحر، بالإضافة إلى عمليات الترحيل الكبيرة التي قام بها الكثير من شباب القرية بعد القبض عليهم نتيجة الهجرة غير الشرعية.

"نقلا عن العدد الورقي"
الجريدة الرسمية