رئيس التحرير
عصام كامل

«بلقيس».. فاتنة أدخلت «نزار» روضة الأطفال

 نزار قباني
نزار قباني

"بلقيس... كانت أجمل الملكات في تاريخ بابل/ بلقيس.. كانت أطول النخلات في أرض العراق / كانت إذا تمشي ترافقها طواويس وتتبعها أيائل / بلقيس.. يا وجعي".

هكذا نعى فارس الرومانسية نزار قباني حبيبته وأمه الثانية "بلقيس"، المرأة التي آوى جسدها الثري منذ عشرات السنين وما زالت كل امرأة عربية تحقد عليها، تردد كل منهن "يا ليتنا كنا بلقيس"، ليعشقهن أزواجهن مثلما عشق "نزار" بلقيس، وهى السيدة التي بكاها قلبه قبل عينه، واغتالته مع فرحتها.
"بلقيس" حكاية حب "نزار" التي تعاطف معها أهل العراق جميعهم حتى الرئيس أحمد حسن البكر حينما نزف من حبها مرددا قصيدة بطلتها "بلقيس الراوي" في مهرجان المريد قائلا: مرحبا يا عراق، جئت أغنيك/ وبعض من الغناء بكاء/ آكل الحزن من حشاشة قلب/ والبقايا تقاسمتها النساء".
قصة حبه بدأت حينما رآها في حفل استقبال في إحدى سفارات العراق ببيروت، وكان خارجا من أزمة وفاة زوجته الأولى "زهراء" الدمشقية، ووفاة ولده إثر عملية جراحية للقلب في لندن، توقف بسبب تلك الأحزان عن الكتابة ثلاث سنوات حتى رآها وقال وقتها "لكنها بلقيس أعادت الحبر للأقلام مثلما أعادت الدماء للعروق"، وقال عنها "بلقيس هي كنز عظيم عثرت عليه مصادفة"، ووصفها قائلا: "يا نينوى الخضراء / يا غجريتي الشقراء / يا أمواج دجل / تلبس في الربيع بساقها / أحلى الخلاخل".
يقول "نزار" قصتنا ككل قصص الحب في المدن العربية جوبهت بـ"لا" كبيرة جدا، كان الاعتراض على تاريخي الشعري وكانت مجموعاتى الغزلية وثائق أشهرها أهل "بلقيس" ضدي، والقبائل العربية لا تزوج بناتها من أي شاعر تغزل بإحدى نساء القبيلة، ولما يئست من إقناع شيخ القبيلة بعدالة قضيتى، ركبت الطائرة وسافرت لإسبانيا لأعمل دبلوماسيا لمدة ثلاث سنوات، وخلال تلك السنوات كنت أكتب لبلقيس وكانت تكتب لى رغم أن بريد القبيلة كان مراقبا، حتى جاءته دعوة عام 1969 للاشتراك في مهرجان المريد وألقب بها قصيدة بطلتها "بلقيس".
فتعاطف العراقيون معه ومنهم الرئيس العراقي الراحل أحمد حسن البكر فتوسط لنزار، حيث أرسل لخطبة بلقيس إلى نزار كلا من وزير الشباب آنذاك شفيق الكمالي ووكيل وزارة الخارجية شاذل طاقة وكلاهما شاعران، فوافق والدها بعد ذلك، ليتزوجا ويحيا معا أجمل سنين عمرهما ورغم أنها كانت تصغره بـ16 عاما فإنها كانت تتعامل معه كطفل حتى قال فيها قصيدته المشهورة:
أشهد ألا امرأة / أتقنت اللعبة إلا أنتِ / واحتملت حماقتي / عشرة أعوام كما احتملت / واصطبرت على جنوني مثلما صبرت / وقلمت أظافري / ورتبت دفاتري / وأدخلتني روضة الأطفال / إلا أنتِ".
وفى قصيدته المشهورة "بلقيس" قال عنها: "هل تعرفون حبيبتي بلقيس ؟ / فهي أهم ما كتبوه في كتب الغرام / كانت مزيجًا رائعًا / بين القطيفة والرخام كان البنفسج بين عينيها / ينام ولا ينام".
وفى ديسمبر 1981 احتضن القبر جسد "بلقيس"، ولكنها لم تمت في قلب "نزار"، وهو اليوم الذي قال عنه: "كنت في مكتبى بشارع الحمراء حين سمعت صوت انفجار زلزلنى من الوريد إلى الوريد، ولا أدري كيف نطقت ساعتها "يا ساتر يا رب" بعدها جاء من ينعي إلى الخبر.. السفارة العراقية نسفوها.. قلت بتلقائية "بلقيس" راحت شظايا الكلمات مازالت داخل جسدي أحسست أن "بلقيس" سوف تحتجب عن الحياة إلى الأبد وتتركنى في بيروت ومن حولى بقاياها، كانت بلقيس واحة حياتى وملاذى وهويتى وأقلامي.
ليطلق بعدها رائعته "بلقيس" التي جعلت حبها يتوارث من جيل إلى جيل، ويبكيها كل من يسمع بها من حب "نزار" لها:
شكرًا لكم..
شكرًا لكم..
فحبيبتي قتلت.. وصار بوسعكم
أن تشربوا كأسًا على قبر الشهيدة
وقصيدتي اغتيلت..
وهل من أمـةٍ في الأرض..
-إلا نحن- تغتال القصيدة ؟
بلقيس...

وفى مقطع آخر من القصيدة قال
بلقيس
لا تتغيبي عني
فإن الشمس بعدك
لا تضيء على السواحل..
سأقول في التحقيق:
إن اللص أصبح يرتدي ثوب المقاتل
وأقول في التحقيق:
إن القائد الموهوب أصبح كالمقاول..
وأقول:
إن حكاية الإشعاع، أسخف نكتةٍ قيلت..
فنحن قبيلةٌ بين القبائل
هذا هو التاريخ.. يا بلقيس..
كيف يفرق الإنسان..
الجريدة الرسمية