حكايات الأدباء «في العشق والمعشقة»
>> نجيب محفوظ قال عن الحب الأول «إنه كالموت.. تسمع عنه في كل حين خبرا.. ولكنك لا تعرفه إلا إذا حضر»
>> الشاعر جبران خليل جبران أبدع في وصف حبه لـ«مى زيادة»
>> الأديب الكبير الذي كان عازفًا عن الزواج، وقع في حب تلك الفتاة التي لم يكن عمرها قد تجاوز العشرين، بينما هو في الخمسين من عمره.
>> منى قطان تسللت لقلب «جاهين» بـ «خفة ودلع.. ووصفها بـ «أنا بقى أموت في كده»
>> «سمراء النيل» كسرت قلب العقاد.. وصديقه رسمها «تورتة» بـ الحشرات
عرفت الحب لأول مرة في حياتي، إنه كالموت تسمع عنه كل حين خبرا ولكنك لا تعرفه إلا إذا حضر.. وهو قوة طاغية، يلتهم فريسته، يسلبه أي قوة دفاع، يطمس عقله وإدراكه، يصب الجنون في جوفه حتى يطفح به، إنه العذاب والسرور واللانهائي".
هكذا تحدث نجيب محفوظ عن الحب حين كتب رائعته "الحب فوق هضبة الهرم"، حقيقة الرجل لم تكن له تجارب في الغرام واضحة المعالم، لها بدايات وتفاصيل قدر ما دونه في مؤلفاته، أما الشاعر الكبير جبران خليل جبران، كتب حين وقع في غرام الأديبة مى زيادة قائلا: "يعجبها مني أن أحبها، ويطربها أن أشقى في سبيلها"، وفى إحدي رسائلها لجبران -بعد أن رحل عنها- كتبت له بشأن قلقها ووحدتها قائلة: "جبران.. لقد كتبت كل هذه الصفحات لأتحايد كلمة الحب، إن الذين لا يتاجرون بمظهر الحب ودعواه في المراقص والاجتماعات، ينمي الحب في أعماقهم قوة ديناميكية.. ما معنى هذا الذي أكتبه؟! إني لا أعرف ماذا أعني به، ولكني أعرف أنك محبوبي، وأني أخاف الحب، أقول هذا مع علمي أن القليل من الحب الكثير، الجفاف والقحط واللاشيء، بالحب خير من النزر اليسير.. كيف أجسر على الإفضاء إليك بهذا. وكيف أفرط فيه؟ لا أدري، الحمد لله أني أكتبه على الورق ولا أتلفظ به لأنك لو كنت الآن حاضرًا بالجسد لهربت خجلًا بعد هذا الكلام، ولاختفيت زمنًا طويلًا، فما أدعك تراني إلا بعد أن تنسى".
جبران قبل رحيله بسبعة أعوام تقريبا كتب لها رسالة وكأنه أدرك أن الوحدة ستطارد محبوبته بعد رحيله قائلا: "نحن اليوم رهن عاصفة ثلجية جليلة مهيبة، وأنت تعلمين يا ماري أنني أحب جميع العواصف وخاصة الثلجية، أحب الثلج وأحب النار، وهما من مصدر واحد، ولكن لم يكن حبي لهما قط سوى شكل من الاستعداد لحب أقوى وأعلى وأوسع، تقولين لي إنك تخافين الحب، لماذا تخافين يا صغيرتي؟ أتخافين نور الشمس؟.. أتخافين مد البحر؟.. أتخافين مجيء الربيع؟.. لماذا يا ترى تخافين الحب؟
أنا أعلم أن القليل من الحب لا يرضيك، كما أعلم أن القليل في الحب لا يرضيني، أنت وأنا لا ولن نرضى بالقليل. نحن نريد الكثير. نحن نريد كل شيء. نحن نريد الكمال، فإذا كانت إرادتنا ظلًا من أظلال الله، فسوف نحصل بدون شك على نور من أنوار الله، لا تخافي الحب يا ماري، لا تخافي الحب يا رفيقة قلبي".
الحب الذي نشأ بين جبران ومي زيادة، كان فريدا يشبه حب المبدع للسماء وعشقه لجمال الغروب وفتنة الشروق، حقيقة كان مثالا للحب النادر المجرد عن كل ماهو مادي وسطحي، دامت تلك العاطفة بينهما عشرين عاما، دون أن يلتقيا إلا في عالم الفكر والروح، والخيال الضبابي إذ كان جبران في مغارب الأرض مقيمًا وكانت مي في مشارقها، كان في أمريكا وكانت في القاهرة، لم يكن حب جبران وليد نظرة فابتسامة فسلام فكلام، بل كان حبا نشأ ونما عبر مراسلة أدبية طريفة ومساجلات فكرية وروحية ألفت بين قلبين وحيدين، وروحين مغتربين، ومع ذلك كانا أقرب قريبين وأشغف حبيبين.
الكاتب الكبير عباس محمود العقاد في حياته أيضا قصتان غراميتان سجل واحدة في الرواية الوحيد التي كتبها باسم "سارة" وهو ليس الاسم الحقيقي للمحبوبة، والثانية كتب عنها أشعارًا أيضًا لم يشر فيها إلى اسمها ولكن شكلت هذه السيدة في حياته العاطفية الكثير.
وكان الفنان صلاح طاهر ومنذ الثلاثينيات من القرن الماضي من أكثر المقربين إلى هذا العملاق، فهو يعتبره أحد أساتذته الكبار الذين يحرص على أن ينهل من ثقافتهم المتشعبة وتحول التلميذ إلى صديق، وذكر طاهر أن الحب الحقيقي للعقاد هو نجمة سينمائية سمراء كانت قبل احترافها الفن مسئولة عن منزل الكاتب الكبير ووقع في حبها وكان لا يريد لها أن تدخل للمجال الفني وكتب عنها بعض أشعاره، ولكن نداء الفن كان أقوى من أن تقاومه فغادرت بيت وحياة "العقاد"، ولم يستطع العقاد أن ينساها وعز عليه النوم ولم ينقذه سوى تلميذه وصديقه الذي رسم له لوحة عبارة عن تورتة كبيرة تحوم حولها بعض الحشرات، وضعها العقاد فوق سريره مباشرة كلما دخل إلى غرفة النوم نظر إليها وتأملها وبعدها يستسلم للنوم.
رمز صلاح طاهر إلى هذه النجمة بالتورتة، أما الحشرات فهو المجال الفني الذي تكاثر حولها وكأنه أراد أن يجعلها بقدر ما هي مرغوبة فهي أيضًا مستحيلة، ولم تكن هذه الفنانة سوى مديحة يسري.
والفنانة مديحة يسري لا تنكر في أحاديثها حب العقاد لها، وتذكر الكثير من أشعاره التي كتبها عنها، إحدى تلك القصائد تناولت كوفية ومعطفا كانت قد نسجتهما له على "التريكو".
"سمراء النيل".. فهي المصرية ذات الجمال الأصيل، ولعل هذا هو ما أّهل مديحة يسري لاقتحام عالم الفن في أربعينيات القرن الماضي، وتصنيفها وبجدارة كأجمل عشر نساء في العالم وفقًا لمجلة "التايم" الأمريكية.
وقد لا يعرف الكثيرون أن نفس الفتاة التي نشرت صورتها في إحدى المجلات المصرية عام 1939 كأحد الوجوه الجديدة، هي ذاتها مديحة، التي تعلق بها فؤاد الأديب الكبير عباس محمود العقاد منذ رؤيته للصورة، فدعاها إلى حضور صالوناته الأدبية الأسبوعية وأغدق عليها بعطائه الفكري والأدبي بشكل فتح أمامها أبواب العلم والمعرف، حتى إن الأديب الكبير الذي كان عازفًا عن الزواج، وقع في حب تلك الفتاة التي لم يكن عمرها قد تجاوز العشرين، بينما هو في الخمسين من عمره.
سمراء النيل تعرفت بعد ذلك إلى النجم السينمائي أحمد سالم، فاختطفها فورًا للعمل في السينما وتزوجها بعد ذلك، وسرعان ما أصبحت نجمة مشهورة، وحدث ما كان يخشاه العقاد، ولكنه لم يستطع إلا أن ينجرف في حبه، فلا هو قادر على أن ينساها، ولا قادر على أن يتقبل وضعها الجديد، ويرضى أن يكون واحدًا من المعجبين، فاهتدى إلى فكرة عجيبة يرويها تلميذه وصديقه الفنان صلاح طاهر.
"ذات مرة كنت مع الأستاذ العقاد في شقته، ودخلت غرفة لأتحدث في الهاتف، فناداني العقاد بلهفة: يا صلاح.. تعالى لا تتصل الآن، ورجعت إليه فوجدت الدموع في عينيه، فأخبرني أنه ينتظر على أمل أن تتصل به محبوبته الممثلة التي قاطعها منذ أربعة شهور، ووجدت مدى تأثُره بفراقها على رغم قدرته الخارقة على التحمل والكتمان وتناقشنا في كيفية نسيانها، واقترح على أن أرسم لوحة فنية عبارة عن تورتة شهية جدًا وقد تهافت عليها الذباب، وبالفعل أنجزتُ اللوحة المطلوبة ووضعها العقاد على الحائط مقابل سرير نومه، وكلما استيقظ رأي اللوحة التي ساعدته على النسيان".
"البنت دى فيها حاجة مختلفة، ذكية ولبقة وحساسة.. أنا بقى أموت في كده"، بتحبها..؟!، حب إيه يا عم، فيه ناس الحب خسارة فيهم، وناس تانيين الحب بالنسبة لهم يبقى حاجة مش قد المقام، أهى البنت دى واحدة منهم، مخلوق مختلف، عيب لما الواحد يقول إنه بيحبها، لأن الكلمة دى اتقالت ملايين المرات في ملايين السنين عن ملايين الملايين من المخلوقات العادية.. اللى ما فيهاش حاجة ولا ميزة من مزاياها هي".
بهذه الكلمات وصف صلاح جاهين زوجته "مني قطان" في مسلسله الإذاعى "الزير وغطاه" الذي يروى قصة حياته، فجاهين وقطان بدآ صديقين واستمرت صداقتهما لمدة ثلاث سنوات بعدها تقدم لخطبتها وكان متزوجا من الفنانة سوسن زكي، فشعرت منى قطان بالذنب خوفًا أن تكون سببًا في هدم كيان أسرة، ولكنه كان قد قرر الانفصال عن زوجته الأولى، فتمت الخطبة رسميًا في صيف 1966، وكان من أسعد أيام صلاح جاهين، وفى هذا اليوم استوحى فكرة الأغنية الوطنية "صورة" ثم بدأ التحضير للزواج، وتم عقد القران في الشهر العقارى؛ لأن منى قطان كانت تحمل الجنسية اللبنانية.
عن تعلقه بها، يقول صلاح جاهين: "ماذا جعلنى أتعلق بزوجتى ؟! ربما فيها الكثير من أمى، حتى بعض العادات السيئة مثل الكلام الممزوج بلغة أخرى.. فأمى حتى الآن نصف كلماتها بالإنجليزية، وعندما قابلت منى قطان وجدت فيها هذه الخصال الأنثوية المتعبة ووالدتى أروع امرأة قابلتها وأحببت زوجتى لأنها تشبهها"..
وفيها كتب جاهين قائلا: "منى... منى، منى قلبى وروحى، يا بلسم الجـروح، بوجهك الصبوح.. يا منى، منى.. منى، منى و... يا منايا، يا أجمل الصبايـا، غنيت من هنايـا، الله ما أحلى حبنـا، بصوتك الحنون، تغـردين لى.. كبلبل الغصـون، يا طفلة العيون، ما أجمل الدنيا وأنت في عيونى، هنـا.. هنـا".
>المصادر:
رسائل جبران خليل لـ "مي زيادة"
ويكبيديا
تقارير صحفية وحوارات لـ "صلاح طاهر" وصلاح جاهين