رئيس التحرير
عصام كامل

معركة تكسير العظام بين المشير و"الأستاذ".. هيكل يهاجم السيسي بـ"شبح عبدالناصر" ويتهمه بالأمية السياسية.. بحث وزير الدفاع يؤكد قدرته على تحليل الواقع.. رئيس تحرير الأهرام يحاول فرض وجوده بعد 30 يونيو

فيتو

يطالب الكاتب الصحفي القدير محمد حسنين هيكل كل من حوله بأن يتعاملوا معه وفق مبدأ "بندول الساعة".. يدق بقوة.. يمينًا ويسارًا، لا تتحكم في دقاته المتتابعة، والدقيقة، إلا مبادئه، وطريقة فهمه وتحليله لما يدور من حوله.. وللحق استطاع "هيكل" أن يحافظ على تلك الصورة خلال السنوات الماضية، وأصبح بـ" شهادة دراويشه" الأستاذ الذي لا يشق له غبار، ولا يراجعه أحد في تحليل يذكر.

من جانبه اكتفى "هيكل" لسنوات طويلة بسيناريو "العراب الخفي"، يدير الأمور من "بعيد لبعيد"، لا يتورط في "المطبخ السياسي"، وفي الوقت ذاته لا يترك الأمور تسير في سياقها الطبيعي، لو أخطأ صانع القرار في عملية إضافة "المقادير"، فيخرج ليؤكد لـ"القاصي والداني" أنه كان على أهبة الاستعداد لتقديم النصيحة لـ"وجه الوطن" لكن صاحب القرار أبي وتكبر وتجبر.

"هيكل" يصر دائما على أن يعيد على مسامع الجميع حكايته مع الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، ولا يترك مناسبة إلا ويؤكد خلالها أنه كان دائمًا يلعب دور المساعد في اتخاذ القرار، وليس "الصحفي المقرب من السلطة"، ورغم مرور أكثر من أربعين عاما على رحيل "ناصر" فإن الرئيس الأسبق لـ"الأهرام" لا يعترف بتلك السنوات، ومتابعة تصريحاته الكثيرة طوال الأشهرة القليلة الماضية تؤكد هذا الأمر. 

رحل "ناصر" وجاء "السادات" ولم تسر الأمور على ما يرام، فكانت "القطيعة هي الحل"، وبالفعل ابتعد "هيكل" عن "المطبخ الرئاسي"، لكنه ظل خلال سنوات حكم "أنور السادات" يمني نفسه بـ"العودة"، التي لم تتحق له حتى بعد رحيل "السادات" في حادث المنصة.

العلاقة بين "هيكل" و"مبارك" لم تكن على ما يرام طوال سنوات حكم الأخير، وفي الوقت ذاته لم تكن سيئة، فوفقًا لشهادات عدد من الذين كانوا بالقرب من "مبارك" طوال سنوات حكمه، فإن "هيكل" حاول بـ" الغزل العفيف" أن يكون "مستشار مبارك" لكن فشل في تحقيق ما أراده، وجاءت محاضرة الجامعة الأمريكية التي تحدث فيها "هيكل" عن سيناريو "توريث مصر" وخلافة "جمال مبارك" لوالده في الحكم، لتكتب نهاية العلاقة -التي لم تكد تبدأ بعد- ليعود بعدها "هيكل" لحالة "البيات السياسي" التي خرج منها بعد أيام قليلة من رحيل "مبارك" وإمساك "مجلس طنطاوي" بزمام الأمور في مصر، ومنذ ذلك الوقت، لم يترك "هيكل" حادثًا واحدًا دون أن يضع عليه لمسته الخاصة، حتى جاء الرئيس السابق محمد مرسي، الذي التقي "هيكل" أكثر من مرة، أبرزها اللقاء الذي تم في مكتب الأخير، وذلك قبول فوز الأول برئاسة مصر. 

بعد مرور شهرين من "رئاسة مرسي" خرج "هيكل" ليطالب، في مقابلة أجرتها معه صحيفة "صنداي تايمز"، بـ" فرصة كاملة" لـ"مرسي والإخوان" وقال وقتها: مرسي رجل طيب جدا على المستوى الشخصي، لكنني لست متيقنا من مدى معرفته بالعالم العربي والسياسة المصرية، وأؤمن بضرورة منح مرسي والحركة الإسلامية التي يمثلها الفرصة، لأنهم ظلوا في مسرح الأحداث ردحا طويلا من الزمن، وهم يشكلون تيارا يظن البعض أن فيه الخلاص".

ورحل "مرسي" -وكالعادة- فتح "هيكل" النار عليه هو وجماعته، واتهمهم بـ"إفساد مصر"، وتزامن مع سقوط "دولة الإخوان" صعود نجم المشير عبدالفتاح السيسي، النائب الأول لرئيس الوزراء، وزير الدفاع والإنتاج الحربي، الذي وجد فيه ضالته، فسارع بإطلاق التحليل تلو التحليل، وتحدث عن "السيسي.. رئيس الضرورة".. و"السيسي.. الحل الوحيد"، وفي الوقت ذاته لم يخرج فيه برأي صريح فيما يتعلق بالشائعات التي تداولت حول التقارب بينه والمشير.

المتابع الجيد تصريحات "هيكل" فيما يتعلق بـ"السيسي" يلاحظ أن الرجل ظل طوال الأشهر الماضية "يرمي بياضه" ولا يرغب في الغياب الاختياري عن المشهد، ولعل تصريحه لصحيفة "السفير" اللبنانية الذي قال فيه: "السيسي لن يترشح للرئاسة" يؤكد هذا الأمر، خاصة أن الرجل ألقي بتلك الكلمات، وهو يعلم جيدا تأثيرها القوى فى الخريطة السياسية في مصر، وبعدما اشتدت حملة رفض تصريحات "عدم الترشح" خرج "هيكل" ليقول إنه لم يقطع بـ"عدم ترشح السيسي"، ولكنه أراد أن يقول إن البلاد بها من الأزمات ما يمنع "السيسي" من الترشح. 

المثير في الأمر أن تصريحات "هيكل" -المتضاربة في بعض الأحيان- فيما يتعلق بـ"وزير الدفاع" لم تجد لها صدى يذكر إلا في جلسات "النميمة" التي خرجت لتؤكد أن "الأستاذ" هو كاتب ومحدد الخطوط العريضة لخطابات "السيسي"، الأمر الذي نفاه عدد من المقربين لـ"هيكل"، وأكدوا في الوقت ذاته أن "أستاذهم" أبعد ما يكون عن "كاتب خطب المشير". 

وجاءت تصريحاته الأخيرة في "صالون التحرير" المتعلقة بـ"عبدالناصر والسيسي" لتؤكد -بما لا يدع مجالا للشك- أن "هيكل" لا تربطه أي صلة بـ" السيسي"، كما أنه -على عكس ما كان يحاول أن يؤكده- لا يعتبر الكاتب الأول لدى "المشير"، وهو ما دفعه إلى أن يعقد مقارنة بين "عبدالناصر" و"السيسي" أعاد فيها مصطلح "مرشح الضرورة". 

وفي الوقت ذاته طالب الذين يحاولون التقريب بين صورة "ناصر" و"السيسي" بإعادة قراءة المشهد جيدًا، حيث قال: "أنا أشعر بالقلق على المشير السيسى لأن جمال عبدالناصر اشتغل في السياسة ومكانش ظابط كويس قوى، لا يمكن أنه يكون ضابط بيفكر في السياسة، مولود سياسي، وراح شاف الإخوان وشاف الشيوعيين، أما عبدالفتاح السيسى فهو ضابط في المؤسسة العسكرية، ولم يكن له دخل في السياسة وهذا جزء من تردده الكبير جدًا، انت بتقولى بشوفه قليل وانت عارف مش كتير، وبيتقال إنى بعمله برنامج، أنا ساعات بقرأ حاجات بتتقال وأبقى مذهول والله وأنا بسمعها". 

الغريب في الأمر أن تصريحات "هيكل" فيما يتعلق بالخلفية السياسية لـ"السيسي" لم يتطرق فيها للبحث الذي قدمه الأخير عام 2006 أثناء دراسته بكلية الحرب في الولايات المتحدة الأمريكية، والذي تداولته وسائل الإعلام خلال الآونة الأخيرة، وكان تحت عنوان "الديمقراطية في الشرق الأوسط"، حيث تناول فيه "السيسي" تأثير الديمقراطية فى منطقة الشرق الأوسط، وقدم أيضًا تقييما للظروف الإستراتيجية والسياسية في المنطقة.

بحث "السيسي" عن "الديمقراطية" كشف -وفقا لآراء عدد كبير من المحللين السياسيين- أنه يخرج من رجل لديه المقدرة على قراءة الواقع، وتقديم رؤية تحليلية واضحة، واستدل أصحاب هذا الرأي بتحليل "السيسي" لـ"الأنظمة الحاكمة" في العالم العربي، حيث قال: هناك العديد من القادة المستبدين يدّعون أنهم يؤيدون نظم الحكم الديمقراطية لكنهم لا يرغبون في التخلى عن السلطة، وبعضهم لديه أسباب وجيهة لذلك، فبعض البلاد غير معدة أو منظمة بطريقة تجعلها تدعم حكومة ديمقراطية، والأهم من ذلك، وجود بعض المخاوف المتعلقة بالأمن الداخلى والخارجى للبلدان، فالعديد من قوات الشرطة والجيش في هذه البلاد موالية للحزب الحاكم، فإذا تطورت الديمقراطية مع مؤسسات ودوائر جديدة لن تكون هناك ضمانة بأن الشرطة والجيش سيدينان بالولاء للأحزاب الحاكمة الناشئة، وبالتالى فإن قوات الأمن تحتاج لتطوير ثقافة الالتزام والولاء للبلاد وليس للحزب الحاكم، وعلاوة على ذلك، فإن الشعب بحاجة إلى أن يكون مستعدًا للمشاركة في نظام حكم ديمقراطى، وهذا يتطلب وقتًا لتثقيف المواطنين، وكذلك تطوير العملية الديمقراطية التي ستمكّن الديمقراطية من التقدم بالبلاد إلى الأمام.

كما قدم "السيسي" في البحث ذاته رؤية تحليلية لسياسات أمريكا في منطقة الشرق الأوسط حيث قال: لقد كانت أمريكا قوة دافعة في الشرق الأوسط فيما يتعلق بدعم المصالح الوطنية للولايات المتحدة، وفى إطار جهودها للقيام بذلك، دعمت الأنظمة غير الديمقراطية وبعض الأنظمة «غير المحترمة» في الشرق الأوسط، ومن أمثلة ذلك دعمها بعض الأنظمة الخليجية، ونظام صدام حسين وبعض أنظمة شمال أفريقيا. 

ولهذا يتساءل الكثيرون عن دوافع الولايات المتحدة ورغبتها في إقامة الديمقراطية في الشرق الأوسط الآن، وهل الانتقال الديمقراطى في مصلحة الولايات المتحدة، أم في مصلحة دول الشرق الأوسط؟! إن تطور الديمقراطية في الشرق الأوسط لن يحدث بسهولة إذا ما اعتُبرت الديمقراطية خطوة من جانب الولايات المتحدة بهدف تحقيق مزيد من المصالح الإستراتيجية لها، كما أن هناك قلقًا من أن الحرب على الإرهاب هي في الحقيقة مجرد قناع لإقامة الديمقراطية الغربية في الشرق الأوسط، ولكى تنجح الديمقراطية في الشرق الأوسط، يجب أن تعكس مصالح دول الشرق الأوسط وليس مصالح الولايات المتحدة فقط، ويجب أن يُنظر إلى الديمقراطية على أنها مفيدة لشعوب الشرق الأوسط، وأن تظهر الاحترام لطبيعة الثقافة الدينية، فضلًا عن تحسين ظروف المواطن العادى.

كما تحدث "السيسي" عن عملية تغيير الأنظمة الحاكمة في الشرق الأوسط، وقال عنها: إن تغيير الأنظمة السياسية المستبدة إلى حكم ديمقراطى لن يكون كافيًا لبناء ديمقراطية جديدة، لأن ذلك سيتطلب تعديلًا، وتطويرًا في نظم التعليم، والاقتصاد، والدين، والإعلام والأمن والقضاء، ونتيجة لذلك، سوف يستغرق الناس وقتًا للتكيف مع الشكل الجديد من أشكال الحكومة ونظام السوق الحرة التي سوف تنشأ، وعلاوة على ذلك، فإن البلدان الديمقراطية يجب أن تدعم الديمقراطيات الجديدة، وفى رأيى فإن الديمقراطية تحتاج إلى بيئة جيدة تتمتع بوضع اقتصادى معقول، ونظام تعليم جيد، وفهم معتدل للقضايا الدينية، وفى النهاية رغبة من الأنظمة في تقاسم السلطة مع الشعب.

"نقلا عن العدد الورقي"
الجريدة الرسمية