رئيس التحرير
عصام كامل

تعرية وقتل واغتصاب وطن


ما زالت موجات من الأحزان والآلام والأوجاع تمر بنا وتستقر فى أعماق قلوبنا.. يجد الإنسان صعوبة فى أن يتحدث عنها؛ لكثرتها وتنوعها.. تحتاج كل موجة منها إلى حديث مفصل ومعمق.. سوف نختار ثلاثة فقط، ونتناولها بإيجاز شديد لضيق المساحة.

أول هذه الموجات هى قصة حمادة صابر.. مبيض محارة.. على قد الحال.. أحد ضحايا المجتمع الذين يعيشون على هامش الحياة.. حمادة ساقه حظه إلى قصر الاتحادية مع المتظاهرين مساء الجمعة ١ فبراير.. هناك تم ضربه، وسحله، وإهانته، وتعريته أمام العالم على يد الأشاوس من قوات الأمن.. الداخلية اعترفت بوقوع المأساة، ورئاسة الجمهورية أبدت أسفها.. مسكين حمادة صابر.. ترى كم حمادة صابر فيك يا وطن؟ المشهد كان واضحًا، وفاضحًا، وكاشفًا.. رآه كل الناس فى مصر وخارج مصر.. ومن المؤكد أنه أصاب الجميع بالحزن والألم والوجع.. أزعم أنه لا يوجد إنسان حر، أيا كانت عقيدته أو ملته أو جنسيته، يقبل أن يرى هذا المشهد ولا يتألم.. صورة مصر أمام العالم أصبحت كارثية..
لم تكتف الداخلية بما فعلت، لكن من الواضح أنها قامت بممارسة الضغط، ترهيبًا وترغيبًا، على حمادة، كى يغير أقواله، حيث ظهر الرجل المسكين فى شريط فيديو تم بثه على القنوات الفضائية كى يقول كلامًا أثار من الإشفاق أكثر مما أثار من العجب والاستغراب والدهشة.. زعم الرجل أن المتظاهرين هم الذين قاموا بتعريته، وأن الداخلية هى التى أنقذته (!!!)..انكسر الرجل أمام أهله وأولاده والناس.. آه يا وطن.. أهين حمادة صابر مرات.. مرة حين تمت تعريته وسحله، ومرة حين تم الضغط عليه لتغيير أقواله أمام النيابة، ومرة حين ظهر يتحدث فى الفضائيات.. يكفى حمادة صابر أن ابنته بمائة رجل.. بالنسبة للداخلية، لا جديد تحت الشمس.. لم يتغير شىء.. نفس المفاهيم، والسياسات، والتوجهات، والممارسات.. كل ذلك ما زال موجودًا وحاضرًا.
ثانى هذه الموجات يمثلها فتى من فتيان الثورة.. محمد حسين "كريستى".. قتلته رصاصات الداخلية عند قصر الاتحادية مساء الجمعة ١ فبراير.. هل يكون آخر من يقتل على يد الداخلية، أم سيظل مسلسل الدم مستمرًّا؟ وإلى متى؟ ربما تكون هناك تحقيقات، أو لا تكون.. الكثير يتساءل: هل يذهب هذا الدم هدرًا كما ذهبت دماء أخرى كثيرة، ليس على مدى عامين كاملين فقط، بل على مدى عقود طويلة خلت؟ أعتقد لا.. فهذه الدماء الزكية هى الوقود الحى لاستكمال الثورة.
ثالث هذه الموجات تمثل عارًا ونقطة سوداء على جبين الوطن.. أعتقد أن الملايين من المصريين، وغير المصريين شاهدوا على شاشة قناة النهار مساء الجمعة ١ فبراير الفتاة "ياسمين البرماوى" والسيدة هانيا مهيب، وهما تتحدثان عما حدث لهما فى ميدان التحرير، من تحرش جنسى ومحاولات اغتصاب جماعى.. الأولى منذ أكثر من شهر، والثانية منذ أسبوع تقريبًا.. امتلكت الفتاة والسيدة شجاعة منقطعة النظير، تضاهى شجاعة عشرات ومئات آلاف الرجال.. قالت ياسمين إنها أهينت، لكنها ليست عارًا، والعار هم هؤلاء المجرمون والسفلة الممسوخون، الذين قاموا بذلك، ومَن حرضهم على ذلك.. كان واضحًا أن العملية منظمة وممنهجة، وتقوم بها مجموعات، وتقف وراءها جهة ما.. الهدف هو تلويث ميدان التحرير، رمز الثورة.. هو منع الفتيات والسيدات من المشاركة فى التظاهرات.. هو إلحاق الهزيمة النفسية بفتيات وسيدات مصر.. نعم بدأ التحرش ومحاولات الاغتصاب منذ فترة، لكنها لم تكن بهذه المنهجية.. والهمجية!

الجريدة الرسمية