رئيس التحرير
عصام كامل

غيبوبة إخوانية..


لم نكن مبالغين منذ سنوات بعيدة، حين أكدنا أن جماعة الإخوان المسلمين لا تمتلك أى مشروع سياسى قابل للتنفيذ، وأنها تعانى من إفلاس فكرى كامل، وأضفنا إلى ذلك نقدا حادا لشعار "الإسلام هو الحل"، الذى تعودت الجماعة رفعه فى الانتخابات، كى تجذب إليها ملايين المواطنين البسطاء بمغازلة توجهاتهم الدينية، حتى يصوتوا لهم، وأكدنا مرارا أنه شعار فارغ من المضمون، وقلنا: إن الإسلام -باعتباره دينا- له مقاصد معروفة فى مجال الحرية الإنسانية والعدالة الاجتماعية، لكن لا علاقة له بالسياسة ولا بالاقتصاد.


من هنا حذرنا من خلط الدين بالسياسة؛ لأن من شأن ذلك إضفاء القداسة الدينية على بعض القرارات السياسية لتمريرها، حتى لو كانت ضد المصلحة العليا للبلاد، لو كان الذين يحكمون يتحدثون باسم الدين، وكذلك بيَّنا أكثر من مرة خطورة خلط الدين الإسلامى بالاقتصاد؛ لأن ذلك من شأنه تجاهل الآليات المعروفة، التى يعمل بها الاقتصاد العالمى، والتى بالاعتماد عليها أساسا، تطورت ونمت اقتصاديات عديد من بلدان العالم الثالث.
وجهنا هذا النقد منذ سنوات بعيدة تعود أساسا إلى التسعينات، وجاءت اللحظة التاريخية التى شهدت صعود حزب "الحرية والعدالة" إلى الحكم بعد مؤشرات كمية زائفة تدل على حصولهم على الأكثرية فى مجلس الشعب المنحل ومجلس الشورى الباطل.
وصلوا إلى الحكم، وأصبح رئيس حزب الحرية والعدالة رئيسا للجمهورية فى انتخابات رئاسية، شابتها عوامل معيبة متعددة، فماذا فعلوا؟
لقد ثبت بالدليل الملموس أنهم فاشلون سياسيا، عاجزون إداريا، ومفلسون فى الفكر الاقتصادى السليم.
فشل سياسى تمثل فى الانحراف الشديد فى الأداء الديمقراطى؛ لأنهم بعد أن رفعوا شعار "مشاركة لا مغالبة" والذى هنأت عليه شخصيا الدكتور "مرسى" حين كان رئيسا لحزب الحرية والعدالة، سرعان ما انقلبوا عليه بعد أن أصبح رئيس الحزب هو رئيس الجمهورية، الذى شرع فى تنفيذ مخطط أخونة الدولة وأسلمة المجتمع.
وأصبح الشعار الفعلى "مغالبة لا مشاركة"، وتمثل ذلك فى إقصاء كل القوى السياسية المعارضة عن عملية اتخاذ القرارات السياسية الكبرى، اعتمادا على ما أطلقت عليه من قبل "خديعة الصندوق".
والمقصود هنا هو صندوق الانتخابات، الذى هو فى الواقع مجرد آلية من آليات الديمقراطية، إلا أنه أهم من الصندوق، الخضوع لقيم الديمقراطية، وأهمها على الإطلاق احترام مبدأ تداول السلطة والحوار، وعدم الإقصاء والتوافق السياسى والحلول الوسط.

استبعدت جماعة الإخوان المسلمين كل قيم الديمقراطية وتشبثت بشعار الصندوق، كأنه هو جوهر الديمقراطية، وليس هذا صحيحا، لقد استغلت الجماعة تدنى الوعى الاجتماعى العام بحكم ارتفاع معدلات الأمية، التى وصلت إلى 40%، وزيادة معدلات الفقر، التى يكشف عنها حقيقة أن أكثر من 20 مليون مصرى يقعون تحت خط الفقر، كى يزيفوا الوعى الجماهيرى بإشاعة أن من يقول "نعم" فى الاستفتاء حول الدستور أولا أو الانتخابات أولا سيدخل الجنة، وكذلك من يصوت لهم، ناهيك عن الرشاوى الانتخابية للفقراء ودفعهم دفعا للتصويت لهم.
غير أنه أخطر من الفشل السياسى الذريع، الذى يكشف عنه بجلاء تنصيب الدكتور "مرسى" نفسه بالإعلان الدستورى الباطل ديكتاتورا مطلق السلطان، هو الفشل الإدارى، والعجز عن الحكم من خلال وزارات باهتة عديمة الفاعلية، وعاجزة عن اتخاذ القرارات السليمة لتحقيق، ولو جزءا بسيطا من أهداف الثورة.
أما عن الفشل فى المجال الاقتصادى فحدث ولا حرج، فبعد دعابات كاذبة عن قدرتهم على جذب مليارات الدولارات، لم يجدوا إلا اللجوء لقرض البنك الدولى، الذى سبق أن عارضوه أيام حكومة "الجنزورى"، باعتباره ربا محرما!! غير أن مفتى الجماعة أصدر تصريحا، قال فيه: "إن الضرورات تبيح المحظورات، ولا بأس من قبول القرض".
وبالنظر إلى مشهد التظاهرات الجماهيرية الحاشدة فى كل محافظات مصر الرافضة لحكم الإخوان المسلمين، تؤكد بكل يقين أن الجماعة فى الواقع تعد "أقلية" وإن حصلت على "الأكثرية" فى الانتخابات فى مواجهة أغلبية الشعب المصرى الساخطة على حكم المرشد، والثائرة على نزعة الاستحواذ، وعلى التحكم السياسى والفشل الاقتصادى.
ورغم كل المؤشرات التى تشير إلى الانخفاض الشديد فى شعبية ومصداقية جماعة الإخوان المسلمين، إلا أن قادتها يمرون فى الواقع بحالة غيبوبة عميقة كشف عنها تصريح لقادتهم بأنهم سيعقدون يوم الخميس 31 يناير 2013 مؤتمرا صحفيا يتحدث فيه أحد قادتهم الدكتور "عمرو دراج" عن الإنجازات البارزة التى حققها حزب "الحرية والعدالة" فى احتفالات الجماعة بعيد ثورة 25 يناير.
أى إنجازات والشعب يهتف ضدكم فى كل مكان؟
أليس فى هذه الجماعة رجل رشيد يقرأ الواقع كما هو، لا كما يتصوره كل من المرشد والرئيس؟!
الجريدة الرسمية