رئيس التحرير
عصام كامل

صحافة "البلس ليريس"


قد يبدو العنوان غير مفهوم، لكنني حتى يدرك القارئ معناه ومغزاه سأروي لكم حكاية بسيطة دارت وقائعها قبل عشر سنوات بين صحفي وسائق في إحدى المؤسسات الصحفية الكبرى بدولة عربية شقيقة، حيث اعتاد السائق المرور على الصحفي في موعد معلوم كل صباح للذهاب إلى الأماكن التي يرتادها الأخير لجلب أخباره للجريدة التي يعمل بها، وكانت تربطهما علاقة من الود المتبادل والحرص على إنجاز كل منهما عمله في سهولة ويسر.


وفي يوم من الأيام تأخر السائق، وكان الصحفي على موعد مهم مع أحد مصادره المعتبرة، بما أفقد الصحفي أعصابه، وأدخله في حالة من التوتر غير المعهود على شخصيته المرحة، وعندما جاء رفيق دربه دخل معه في تراشق لفظي دفع السائق إلى الرد بحدة، معتقدا أن الزميل الصحفي يتعالى عليه بحكم مهنته، وقال صائحا: يا فلان أنا يمكنني أن أعمل صحفيا مثلك، فالأمر بسيط ولا يحتاج أي مهارات.

هنا أسقط في يد الصحفي، الذي شعر بأن شرف مهنته قد تمرمط في الوحل، فسأل السائق وهو في قمة غضبه: كيف لك يا هذا أن تكون صحفيا وقد ذهبنا إلى الجامعات وتعلمنا على أيدي أساتذة وشيوخ حرفة الصحافة؟ هل تعتقد أنه يمكنك أن تصبح صحفيا من الفراغ؟.. فرد السائق بحنق: نعم، أي شخص يمكن أن يكون صحفيا، ماذا تفعلون سوى الذهاب إلى المؤتمرات لتأخذون "البلس ليريس"، وتعيدون نشره في الجريدة، هذا هو عملكم.

تراجع الصحفي عن غضبه، قبل أن يدخل في نوبة ضحك هستيري، بعد أن سمع كلمتي "البلس ليريس"، اللتين قصد منهما السائق الإشارة إلى البيانات الصحفية التي تعد من قبل الجهات المختلفة لتقديمها لرجال الإعلام، وهما كلمتان تنطقان بالانجليزية "برس رليز" أو "Press Release "، لكن صاحبنا السائق لم يكن يعرف اللغة الإنجليزية، فضلا عن أنه كانت لديه لثغة في لسانه جعلته ينطق الكلمتين على النحو الذي أدخل الصحفي في نوبة الضحك غير المتوقعة.

هذا الموقف الدرامي الذي انتهى باعتذار الصحفي للسائق، وتأكيده على أنه لم يكن يقصد الإهانة أو التجريح، أذكره كلما صادفني خبر أو تقرير منشور في غالبية الصحف والمواقع الإخبارية، بذات النص، وحتى الأخطاء أحيانا، لا فرق بين هذه الجريدة وتلك، ولا هذا الموقع الإخباري أو ذاك، سوى في اسم الصحفي الذي يتصدر المادة الإخبارية المنشورة.

نعم.. نحن نعيش - وللأسف- عصر صحافة " البلس ليريس" بعد أن انتقلت هذه العدوى إلى صحافتنا المصرية متسللة من بعض الزملاء الذين عاشوا وعملوا خارج مصر لردح من الزمن، فلم يعد الصحفي يهتم كثيرا بالبحث والتنقيب لصناعة خبره، بل بات يعيش على الأخبار "الدليفري"، سابقة التجهيز، التي تجلبها له أقسام العلاقات العامة، لدرجة أنك قد تجد المحرر الواحد، وقد تلبسته حالة الشيخ أبو خطوة، ينشر في اليوم ذاته عشرات الأخبار المتنوعة، والتي تغطي بقعة جغرافية ربما تصل بين أسوان والإسكندرية.

نحن طبعا – خاصة عواجيز المهنة من أمثالي- نتحمل مسئولية فيما وصلنا إليه، كما تتحمل نقابتنا العريقة الجزء الأكبر وهي تشاهد مثل هذه الآفات، وغيرها، وقد ضربت المهنة في مقتل، فهل نتحمل جميعا مسئولياتنا، في الذود عن مهنتنا والتعامل بجدية لمنع أخبار "الحواوشي، والبلس ليريس" ؟!!
الجريدة الرسمية