رئيس التحرير
عصام كامل

تقبل اعتذاري يا دكتور هلالي!


في تحدٍ لمن يقبل التحدي الآن.. اذهبوا إلى أي برنامج للفتوي في أي قناة عربية.. كلها.. لن تجدوا إلا سيديهات ناطقة ترتدي رداء الشيوخ.. كلهم - ومع احترامي الكامل لهم جميعا - لا تفكر ولا تستنبط.. لا تجتهد ولا تجدد.. كلها تنقل عن القديم وقديم القديم.. وصار الأمر كذلك في الفتوي طويلا طويلا.. حتى يظهر الدكتور سعد الدين الهلالي كواحد من أكثر المنتمين لمدرسة العقل في فهم الإسلام.. والتي يقابلها مدرسة النقل وهي التي ينتمي إليها -استسهالا- أغلب شيوخ هذا الزمان..


فالحفظ والنقل سهل.. وإعمال العقل في الفهم والاستنباط لا يقدر عليه كل واحد.. كان علينا ونحن نعاني من فتاوي الجهل والتخلف من إرضاع الكبير إلى بول الإبل أن نحتفي بمن وجدناه أخيرا.. أن نكرم من أكرمنا الله به.. أن نوقر من وقر عقولنا واحترمها وراح يقلب في مراجع المراجع ليقدم لنا فتاوي عصرية ييسر فيها ولا يعسر كما أمر الإسلام.. ورب الإسلام.. وكتاب الإسلام.. ورسول الإسلام.. لكن كثيرين يستكثرون على الرجل نعمة العقل.. ونعمة الشجاعة في فضح الجهل والخرافة والتطرف..

وأهل الجهل والخرافة والتطرف.. فيكيدون له كيدا.. ويتوقفون له عند كل شاردة وواردة.. ولهم - هم - كل الحق.. فقد فضحهم الرجل وعراهم وكشف سوءاتهم وإساءاتهم لدين الله الحنيف.. لكن المدهش حقا.. والمريع حقا.. والمؤسف حقا.. أن يتربص به أنصاره وأحباؤه وكل من يستفيد بعلمه وبمواقفه وبحربه على الجهل والخرافة والتطرف.. ويتوقفون عند انفعال جري ومبالغة تمت.. وعند الوعي بالمقصد فلا تجد أي مقارنة بتخاريف وجهالات الإخوان في رابعة وغير رابعة..

فلا الرجل شبه أحد بالرسل ولا الرجل عصم غير المعصومين.. وإنما شبه موقف بموقف.. وكلنا نفعل ذلك كل يوم.. فنحن نسمي من يترك فكره أو يغادر حزبا - مثلا - بالمرتدين.. فلا هم ارتدوا ولا هم تركوا دينهم.. ونحن كثيرا ما نصف الناس بحسن يوسف والصابرين بأيوب ومن خذلته زوجه وابنه بنوح.. ولا يعني ذلك أبدا أننا نشبه هؤلاء بالرسل ولا نضعهم في منازلهم حاشا لله إنما استحضار للموقف والتشابه!

ورغم ذلك.. اعتبروا أن للرجل هفوة.. للفقيه الكبير سهوة.. فهو بشر في نهاية الأمر.. ولن يخسر الكثيرون شيئا لو لم يشاركوا الإخوان شهوة الهجوم عليه.. لن يصيبهم غضب ولا لعنة إن توقفت أياديهم على نشر هجوم الإخوان عليه.. ونشر لوحاتهم ضده.. لن تخسروا شيئا لو أشحتوا وجوهكم عن هفوته وذلته فكلنا من أهل الهفوات والخطايا.. وبعضكم لم يحرك ساكنا والإسلام يهان كل يوم!

قبل ثلاث أو أربع سنوات حدثني أخونا الكبير العزيز الدكتور خالد منتصر الكاتب والطبيب والإعلامي المعروف عن الشيخ سعد الهلالي مادحا إياه كاتبا عنه مقاله بالمصري اليوم.. وقتها قلت له تمهل.. فالفقيه الذي نبحث عن لم يظهر بعد.. فإن وافقك في الموقف من الختان مثلا خذلك في الموقف من أهل الكتاب.. وإن وافقك في الأخير خذلك في غيره.. وتمر السنوات ويكون الدكتور خالد على حق.. بما يستدعي - والحال كذلك - أن نقدم الاعتذار للرجل.. وأن نجدد الثقه به عالما ومجددا.. وأن نؤكد حسن الظن به.. عافين عن هفوات له هنا أو أخطاء له هناك.. وهكذا نرتجي جميعا من كرم وعفو رب العالمين!
الجريدة الرسمية