قضية الشهداء والنفق المظلم
من مات دون أرضه أو دون ماله أو عرضه فهو شهيد، أى من يقاوم عدوا اعتدى على الأرض وعلى الحرمات ونال من الحريات وقيدها يكون من حقه اعتراضه وحده، والوقوف فى وجهه حق مشروع ليس فقط على المستوى الدينى ولكن أيضاً السياسى.. وليس ذلك فقط فإن من يقف فى وجه سلطان جائر أو حاكم مستبد ويقول كلمته فذلك من أعظم أنواع الجهاد حتى ولو كلفه ذلك حياته، فهو هنا شهيد والعبرة ليست بأن يكون المعتدى أجنبيا فى ثورة 25 يناير الأولى فقد كان وقوف الشباب أمام النظام السياسى وإصرارهم على إزاحته وأيضاً محاكمته لما اقترفه من أخطاء قاتلة فى حق المصريين فهم شهداء بما تعنيه الكلمة، لقد كانوا فى مواجهة نظام من أقوى النظم وقد واجهوه بصدورهم العارية وبحناجرهم القوية ولم يتراجعوا وكان من يسقط منهم يحملوه على الأكتاف مسرعين به لمحاولة إنقاذه أو للخروج به من معترك الأحداث، هؤلاء الشهداء هم الذين دفعوا أرواحهم من أجل قضية أو مبدأ ولكن ماذا عما حدث فى بورسعيد فى هذه المباراة المشئومة والتى راح ضحيتها 74 شابا، وأياً من كان وراء هذه الأحداث فهم قد ماتوا ميتة صعبة أدمت قلوب أمهاتهم وجميع المصريين ولكن ما حدث عند إصدار الحكم هو أن الكثيرين من شعب بورسعيد قد رفضوا ليس فقط أن تلصق هذه الواقعة بهم بل تبرأوا منها منذ وقوعها ومن ثم فهم قد كان من الطبيعى أن يعارضوا ما يتبعها من تداعيات وليس فى ذلك أية شبهة للتعليق على أحكام القضاء فهى مصونة لا تمس ولها مبرارتها وقرائنها القانونية ولكن ذلك هو رد الفعل الجماهيرى والشعور بالظلم الذى من حق أى إنسان أن يشعر به وعندما يعمم يصبح ظاهرة مجتمعية ويدخل فى إطار الظلم الجماعى.. كان آباء هؤلاء الشهداء يطالبون بالقصاص حتى تهدأ قلوبهم وشهدنا احتفالات الألتراس الأهلى بعد صدور الحكم ولكن اندلعت الأحداث الدامية ودخلنا فى حلقة أخرى من العنف أكثر دموية مهدت لها أجواء الاحتقان وسقط الكثيرين من أبناء بورسعيد بعد الحكم فى أعمال العنف والتى حتى الآن لم يتم التعرف على وجه التحديد عمن قاموا بها وكيف قتلوا ولكن أبناء بورسعيد يطالبون الآن بالقصاص لهؤلاء الشهداء فكيف يكون ذلك وما هى الطريقة أو الوسيلة القانونية وحتى السياسية التى يمكن أن توقف هذه العجلة المجنونة وتلك الدائرة الجهنمية للعنف وأيضاً نريد أن تكون هناك مرجعية لتحديد من هو الذى تنطبق عليه صفة "الشهيد" وقد يكون ذلك من الصعب فى هذه الأيام لأن الأمور قد أصبحت ملتبسة والأمر يتوقف هنا على الطريقة التى يتم بها التكييف لهذه الحالات وهى بالقطع غير متفق الآن عليها فى ظل هذه الأوضاع.. وقد يؤدى ذلك إلى مزيد من العنف وسفك الدماء ومزيد من الدعاوى القانونية وأيضاً السياسية التى تطالب بالقصاص والثأر لهذه الدماء، إن كل طرف من الأطراف يؤمن فى قرارة نفسه بأنه يواجه الظلم وأن ما يقوم به هو كفاح مشروع. وأنه على يقين بأنه إن مات فى ذلك الكفاح فهو شهيد ويعد من زمرة الشهداء.