رئيس التحرير
عصام كامل

أستاذة نشوى الحوفي.. ارحمينا والنبي!


قبل أيام قالت الزميلة العزيزة نشوي الحوفي في حوارها مع الإذاعي الكبير عبد الرحمن رشاد على شبكة البرنامج العام كلاما عن الزعيم الخالد جمال عبد الناصر لا يقله أكثر الناصريين تطرفا وتشددا..لكنها - واحترامنا وتقديرنا لها كبير - كالكثيرين الذين اكتفوا - كسلا أو تقصيرا - بترديد إكليشيهات نظرية جامدة لا أصل لها ولا دليل..ولا منطق لها ولا سند..حتى أصبحت حياتنا في غالبها ليست إلا إكليشيهات محفوظة يتناقلها جيل عن جيل.

في حوارها على قناة النهار مساء الثلاثاء..واستمراء لدور المفتي السياسي وهي الظاهرة المنتشرة في أيامنا تلك، راحت الأستاذة نشوي الحوفي - واحترامنا وتقديرنا لها كبير - تفتي عن التجربة الناصرية.. فقالت حرفيا: " كان هناك في الخمسينيات والستينيات عقد غير مكتوب بين جمال عبد الناصر والشعب المصري بأن يقوم هو بتوفير المأكل والمشرب والملبس والوظيفة والسكن للمصريين..شرط أن لا يمارسوا السياسة ولا يقتربوا منها"!!

ما قالته الأستاذة نشوي يبدو للعامة حقيقيا..ولكنه لا يصح أن يبدو للمثقفات مثلها كذلك..لا يصح أن يبدو لصحفية في مقامها - وهو رفيع وكبير - كذلك.. فلا تزال التفرقة في المصطلحات والمفاهيم هائمة عائمة غير محددة في أذهان وعقول وإدراك الكثيرين.

فبعضهم - بعضهم - لا يعرفون الفرق بين العمل الوطني وبين العمل السياسي ولا بين نظام الحزب الواحد وبين نظام التنظيم الواحد..فالكثيرون - مثلا - لا يزالوا يصفون فترة عبد الناصر بأنها كانت فترة لحكم "الحزب الواحد" رغم أن الصحيح أنها كانت فترة لحكم "التنظيم الواحد" والفرق هائل ومهول.

فالحزب يعبر عن مصالح المنتمين إليه والطبقة أو الفئات التي يمثلها..والتنظيم الواحد كان تعبيرا عن تحالف كل الطبقات والفئات المستفيدة من ثورة يوليو..أي من إجراءاتها لتغيير المجتمع..وهذا التغيير الذي استفادت منه الأغلبية الكاسحة من شعب مصر والتي عاد إليها نصيبها العادل من ثروة بلادها على هيئة خدمات وضمانات في التعليم والصحة والطرق والإنارة ومسكن ونواد للترفيه ووظيفة في القطاع الحكومي كان يتم على حساب طبقة أخرى هي الإقطاعيين ومعهم كبار الرأسماليين.. وكان طبيعيا أن يلقي التغيير مقاومة..بل ومقاومة عنيفة.

فلم يكن مقبولا أن يجري عبد الناصر استفتاء على توزيع أراضي الإقطاعيين ولا على تمصير الشركات الأجنبية ولا على تأميم الصناعات الكبرى التي تشتبك مع الأمن القومي..ولما كانت نسبة الأمية في أقصى حالاتها لذا كان من العبث أن يتجه ناصر إلى النظام الحزبي بمفهومه الغربي الذي نعرفه عندنا الآن..لأنه لو فعل ذلك لأصبح - وبحكم المال والنفوذ - الإقطاعيون والرأسماليون في السلطة.. يشرعون ويسنون القوانين..وهو ما لا يستقيم الحال بينه وبين التغيير..الذي هو الثورة على الإطلاق.

وليس معني عدم وجود أحزاب أن يكون الحال كما أشارت إليه الأستاذة نشوى - واحترامها وتقديرها لدينا كبير - وإنما شهدت مصر في عهد عبد الناصر أكبر تشجيع على العمل السياسي - الذي هو وطني وقتئذ - ليس من خلال منظمة الشباب وحسب..ولا أوسع مشاركة في القرى من خلال الجمعيات الزراعية وبنوك القرية فحسب..ولا من خلال ضمانات ال 50 % للعمال والفلاحين وقتها فحسب..ولا من خلال ال 50% للعمال في مجالس إدارات المصانع والشركات فحسب..ولا من خلال اتحادات الطلبة التي كان مستوى أعضائها يتفوق على مستوي أعضاء هيئات التدريس الآن فحسب..وليس من دورات الكادر السياسي في حلوان وأبي قير فحسب وإنما من خلال كل ما سبق وغيره.

أيها السادة..عندكم تجربة عبد الناصر ومن عاشها يقيمها من خلال ما شاهده..فإن لم يجد فعنده وثائق الناصرية المكتوبة في الميثاق الوطني وبيان 30 مارس وفلسفة الثورة..ومن لم يعش التجربة - ونحن منهم - ومن لم يقرأ الوثائق - ونحن لسنا منهم - فلا يتكلم بغير علم.. ويكفينا أعداء التجربة.. أما أنصارها أو حلفاؤها مثل الأستاذة نشوى.. فالرحمة منهم واجبة!.
الجريدة الرسمية