ليس الحل خدوهم بالصوت
تغيرت مكونات المشهد السياسى فى مصر خلال العامين الماضيين كثيراً، بحيث أصبح سيد الموقف هو "الفوضى"، فأصبح المطلب الأساسى للمواطنين هو الأمان، والأمان لا يتأتى إلا بسيادة القانون، ولذا أصبح الناس ينتظرون تطبيقه من قبل القائمين على البلاد وهو ما وعد به مرسى من ضمن وعوده الكثيرة!!
إلا أن مرسى ومن بداية توليه منصب الرئيس أصبح ينتهك القانون، وكأن المسألة شىء طبيعى للغاية.. فأضحى "أيقونة" لانتهاك هذا القانون، لدرجة أن مُطالبته باحترام المواطنين للقانون أصبحت فى حد ذاتها نُكتة، رُغم أن انتهاكه هو له سيضره وجماعته فى النهاية!!
ولأن مرسى هو قدوة وصنم مؤيديه، قاموا هم أيضاً بانتهاك القانون وبالتالى بإعمال المزيد من الفوضى، حتى إننى لأندهش من شكواهم من غيرهم على أنهم يثيرون لهم المتاعب.. فما يقوم به الشباب المدنيين والثوار اليوم، هو رد فعل على ما قام المُتأسلمون به، فى تقليد أعمى لرئيسهم بانتهاك القانون فى أكثر من موضع.
والآن يدعو المتأسلمين لمليونية مؤيدة لمرسى، ناسين كلياً أن هذا المرسى هو رئيس الجمهورية، الذى يمتلك كل الصلاحيات الخاصة بالسلطة فى البلاد.. وهم يحشدون لتلك المليونية لكى يظهروا "عضلاتهم" أمام شباب المدنيين، وكأن السياسة فى البلاد برُمتها تتمثل حول الإجابة على سؤال يتلخص فى: من يقوم بعمل المليونيات الأكبر من الآخر؛ وليس فى مواطنين يعانون المُشكلات من حيث انعدام الاستقرار والأمن وسوء الحالة الاقتصادية!!
إن رئيس الجمهورية، المفترض أن يكون لديه الحل الاقتصادى والسياسى لمشاكل البلاد، ولكن من الواضح أنه وجماعته التى تقف وراء تلك المليونية التى من المُفترض أن تكون يوم الجمعة المقبلة لا يمتلكون إلا أن يظهروا "عضلاتهم" أمام الخصوم. فبتلك المليونيات يعلنون أنهم مُفلسون سياسياً، ولا يمتلكون أى مشاريع لهذا الوطن، وأن سلاحهم الوحيد هو الحشد المتأسلم أمام الحشد المدنى. وهو الأمر الذى أثبتت جماعة الإخوان أنه الأمر الوحيد الذى تُجيده. فيما عدا ذلك، لا يفقهون أى شىء فى السياسة، غير التآمر ضد مصالح الدولة والمواطنين!!
فالمليونيات من هنا أو هناك، ما بين مدنى ومتأسلم، تدل على انقسام البلاد وسيادة حالة من انعدام الرضا فيها، من قبل جميع الأطراف. ونداء بعض المتأسلمين باستخدام مرسى للعنف المفرط للتخلص من مُعارضيه ليس غريباً، وهو مُراقب على المستوى الدولى جيداً ويؤكد ما نقوله من أن "نزعة الإرهاب" تحيا بداخل هؤلاء وبقوة، وأنهم لا يريدون تطبيق الشريعة بقدر ما يريدون تطبيق قانون الغاب، للسيطرة دونما امتلاك أدنى مشاريع للحل!!
إن تلك المليونيات تُكرس للانقسام أكثر، وتزيد الفوضى وانعدام الأمن، وتجعل من القانون الذى يريد وزير العدل تطبيقه لتقنين التظاهر، نوعا من الفُكاهة التى ستؤكد مزيدا من "الضعف" للحاكم وانعدام هيبته، كما ظهر ذلك فى رد الفعل بعد خطابه الشهير الذى قال فيه "سأفعلها" عدة مرات، ولم يلتزم مواطن واحد، بحظر التجول فى مُدن القناة كلها!!
إن المُشكلة الأساسية التى يُعانى منها مرسى، هى أنه وجماعته لم يكونوا يمتلكون أى حلول لمشاكل مصر، وكانوا يريدون السلطة لتطبيق مشروع التمكين. إلا أنهم لم يستطعوا ذلك بعد امتلاك كل السلطة، لأن "آلياتهم" عتيقة" وهويتهم "غريبة"، ولا يستطيعون أن يظهروا "مصريتهم" مهما مثلوا، لأنهم متأثرون بالغريب أكثر من الوطن!!
فالحل لا يكمن فى سياسة "خدوهم بالصوت" ومليونيات فرد العضلات، ولكن بتطبيق القانون، الذى هو تعبير عن إرادة الشعب!!
والله أكبر والعزة لبلادى،
وتبقى مصر أولاً دولة مدنية.