قبل "فرعنة" السيسى بلحظات
هوجة عفنة تحمل كل ملامح صناعة الدكتاتور تطل على مصر الآن.. هوجة غير ممسئولة تحاول الترويج لبضاعة عفي عليها الزمان، تحاول أن تفرض نفسها على مستقبل البلاد.. نبوت الماضي السحيق يهل علينا بديلا لتمدين عصر صنع ثورة على الشاشات، ثم أطلقها ملايين تجوب الشوارع رغم السلطة والسلطان.
محاولة يائسة لابتياع منتجات ما عاد يقبلها عقل المصري، الذي أسقط نظاما رائدا في محيطه، وحرر أمة من فاشية استعصت على كل الحكام، محاولة حثيثة لتشويه بطل قومي لم تصنعه الصدفة، بل صنعته بطولته وتضحياته من أجل الحرية والاستقلال، قدرة عجيبة على الالتفاف حول الرمز لخنقه وحبسه داخل نموذج دكتاتورى رهيب.. إنها صناعة الفرعون وليس أي فرعون.. إنه أسوأ رمز لأحط فترات التاريخ الفرعونى.
"مصر مبارك" أسقطت مبارك من تاريخه ناصع البياض إلى زنزانة حقيرة، في واحد من سجون ربما يكون هو من أنشأها أو طورها أو رفع أسوارها.. نعم سقط مبارك عندما أراد كهنته الخلط بينه وبين وطن بحجم مصر، عندما تحولت كل مشروعات مصر باسم الرئيس: الشوارع والميادين باسمه، المكتبات والكتب باسمه، المشروعات العملاقة ونصف العملاقة وغير العملاقة باسمه، سقط مبارك وكان من الممكن أن يخلد اسمه!!
بنفس الطرق القديمة وفي عصر حديث.. بذات الأساليب العتيقة، وفي زمن كل شيء فيه على الهواء مباشرة يلتف الطبالون والزمارون وتجار الأوطان حول البطل الجديد؛ لينالوا منه ومنا؛ وليصنعوا لأنفسهم إلها جديدا؛ فتعود إليهم مرة أخرى قداسة الكهانة، وبزنس الكهانة، وهالة الكهانة، ولتذهب ثورات الشعب، ودماء الشباب، وتضحيات الآباء إلى جحيم السقوط المدوى في بئر الدولة العميقة.
من هم هؤلاء الذين يطبعون صورا غالية الثمن، تحمل نداءات صناعة الفرعون، ومن هم هؤلاء الذين يعلقونها على أعمدة الإنارة والجدران في الشوارع ؟.. من هم هؤلاء الذين يطلون علينا عبر الشاشات؛ ليهتفوا بالروح بالدم، وهم أنفسهم وبذات ملامحهم هتفوا لمبارك، وساروا خلف مرسي، ولم يكن لديهم مانع من تغيير أسمائهم؛ لينتموا جميعا إلى أسرة سليل الإرهاب والعنف والدم حسن البنا.
إذا كانوا رجال أعمال فإن من بين رجال الأعمال، أو من المحسوبين زورا على عالم الأعمال والمال، من قال إن اسمه الحقيقي يعود إلى حسن البنا، ومنهم من قال إن كل هدفه في الحياة هو "انبساط" الرئيس المعزول محمد مرسي، ومنهم من قال إنه سوف يتبرع بثلاثين مليون جنيه إذا ترشح السيسي، ومنهم من لديه استعداد أن يبيع نفسه بل وأن يبيع السيسي في أول محطة، إذا رأى وجها غير وجهه يطل من نوافذ قصور السلطة.
هل كان المشير السيسي بحاجة إلى شعر رخيص، أو هتاف مسروق، أو صورة على الجدران؛ لكي يعبر إلى قلوب الناس؟ هل يحتاج المشير السيسي إلى أنوار على البنايات ولافتات تقول "بالروح بالدم نفديك ياسيسي" حتى يعرف قدره عند الناس؟ هل هو بحاجة إلى كذابي الزفة، وتجار كل سلطة، وزماري كل حى؛ لكي يحقق نتيجة مبهرة في انتخابات حصدها قبل انطلاقها؟
لا أظن أن الرجل بما قدم لمصر والمصريين بحاجة إلى عودة الكهنة والهتيفة والحريفة ومستثمرى كل المرحلة.. المشير السيسي ضحى بنفسه من أجل وطن استغاث به، وشعب أسند ظهر ثورته على جيشه؛ فكان هو البطل، ومن خلفه رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
وقبل أن يتورط المشير في جريمة الصمت على هؤلاء؛ فإننا نحذر أول ما نحذر.. إنما نحذر المشير السيسي حتى لا يدفع فواتير لا علاقة له بها.. لا يجب عليه أن يتحمل فاتورة أسوأ ما فى عهد مبارك، وإن كان عليه أن يتعاون مع شرفاء هذا العصر.. وعليه أن يتبرأ من شر عصر مرسي، بالابتعاد عن مرض أهل الثقة وفيروسات الشللية وهلاوس الضلال الديني.. وقبل هذا وذاك فإن عليه أن يعلم أن لكل عصر رجالا، ومصر ملأى بالرجال؛ فليحسن اختيار فريقه، فإن أراد فعليه أن يتخلص أول ما يتخلص من وجوه تم تصويرها مئات المرات على كل الموائد.