..وقتلهم من أخرجهم!
لا أعتقد أبدا أن إنسانا ينتمى إلى الإنسانية -حتى لو كان دون دين- يسعد لأن بشرا انفجرت فيهم قنبلة، ومات من مات، وجرح من جرح، وهلع من هلع، وارتعب من ارتعب؛ لذا فإنى لم أصدق أن زوجة خيرت الشاطر سجدت لله شاكرة عقب سماعها بخبر الانفجار المدوى الذي وقع أمام مديرية أمن القاهرة فجر الجمعة الماضية، ولم أرض لنفسى أن تصدق مابشرت به جماعة الإخوان بنصر قريب قبل التفجير بساعات.
لا أتصور أبدا أن امرأة تنتمى إلى البشرية -أيا كان لونها- يسعدها تدفق الدماء على الجدران؛ فجدران رابعة مثل جدران مديرية الأمن، كلها حوائط تزينت بدماء أبرياء، على أن أبرياء رابعة ينطبق عليهم قول سيدنا معاوية بن أبى سفيان «قتلهم من أخرجهم»..
نعم لقد تورط الشاطر ورفاقه ومحمد بديع وزملاؤه في إيهام البسطاء أنهم يحاربون من أجل الله والدين، وصوروا لهم أن تحرير الأقصى يبدأ من احتلال ميدان رابعة العدوية.. ولايمكن بأى حال من الأحوال أن يكون بيان النصر القريب الذي بشرت به جماعة الإخوان، هو زرع الرعب في نفوس المصريين بباب الخلق.. ربما كان هؤلاء السكان من داعمى الكيان الصهيونى الذي يحتل الأقصى، والأقصى كما تعلمون يقع تحت الحماية الإخوانية، وقد جاءت الجماعة ووصلت بفضل جهاد أبنائها إلى ميدان باب الخلق وزرعت الفتنة، والقنبلة، والموت على أسوار مديرية أمن تل أبيب ذلك الكيان المحتل الغاصب..
ولا أظن أبدا أن النصر القريب هو ذلك التفجير الذي طال أندر كنوز العصور الإسلامية في المتحف الإسلامى المواجه للمديرية، إلا إذا كان هذا المتحف «صهيونيًا» متخفيا في صورة متحف إسلامى، ولا اعتقد أبدا أن يكون النصر القريب قد تحقق للجماعة، بسقوط النافذة على الطفلة حبيبة، عندما كانت تتطلع منها على صبح ندى وردى بلون خديها، ولا أتصور أبدا أن يكون النصر القريب قد وصل للجماعة هدية من رب العباد، باغتيال بسطاء جنود الأمن المركزى داخل وخارج المديرية.
قد يكون النصر الذي زفته الجماعة لأعضائها قد تحقق على بقايا جثمان مواطن من الواسطى، تصادف مروره أثناء الانفجار، ربما كان ذاهبا إلى سيدنا الحسين، أو عائدا منه؛ فحققت الجماعة بتمزيق جسده إلى جزيئات متناثرة على الطريق نصرا عظيما أوقع إسرائيل في شر أعمالها، وجعل سكانها يقررون الرحيل الفورى عن أراضينا؛ ليحتلها الشاطر وجنوده، ويقيم عليها آخر ممالك المسلمين بعد تحرير الأقصى.
ومن المفارقات أن يكون تفجير آخر قد حدث أمام سينما رادوبيس بالهرم، إمعانا في النصر القريب؛ حيث تمكنت قوات الإخوان المجاهدة من قتل جندى أمن مركزي، كان أهله ينتظرونه في زيارة لهم مع نهايات هذا الشهر، فسافر إليهم قبل الموعد جثة هامدة، ولعله نصر عظيم ذاك الذي حققه فرسان الإخوان في تفجير محطة مترو البحوث بالدقى؛ فقد أسفر عن اغتيال واحد من جنود الفرعون عسكري أمن مركزى مع إصابة عدد من زملائه.
هذا هو النصر المبين.. هذا هو النصر القريب الذي بشرت به الجماعة أعضاءها، وقد جاء نصرهم مباركا من عند رب لا نعرفه، يسجدون له شكرا كلما قتلت نفس.. هو ذاته رب زوجة الشاطر التي سجدت تشكره؛ لأنه ساعدهم في قتل الناس، وبث الرعب في قلوب الأطفال، وإسقاط الجدران على رءوس البسطاء.. هذا هو ربهم الذي بشرهم بالنصر !