رئيس التحرير
عصام كامل

البرلمان السلفى !


منذ أن تمت الإطاحة بالإخوان المسلمين في مشهدٍ تاريخي، وظهر ممثل الحزب السلفي في هذا المشهد ليعلن تحولهم من منطق الحليف الإخواني إلى منطق "الشريك المخالف". ومنذ ذلك التاريخ وفلسفة الحزب هي: "أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض"، ويعلمون تمام العلم أن الدور سيدور عليهم يومًا ما لا محالة.


ولعلمهم بذلك علم اليقين عملوا منذ ذلك التاريخ على تجنب مصير "الثور الأبيض". صحيح أنه حصل ارتباك في بدايات الأمر وبسبب ضبابية المشهد، إلا أنهم وبمجرد أن اتضحت الرؤية وتيقنوا أنه لا عودة للماضي البتة، راهنوا على الحصان الرابح، ولعبوا مع النظام الجديد، وحين تمت الصفقة مع النظام – أو قل الهدنة- تيقن القادة في الحزب ومن وراءهم قادة الدعوة أن الأمر لن يستمر طويلًا، وأن النظام الذي يحتاجهم الآن -أو قل يستغلهم- سيلقيهم في أقرب سلةٍ للنفايات مع أول لحظة من شعوره باستغنائه عنهم.

وعلى هذا التصور عمل القادة في الحزب والدعوة هم أيضًا على استغلال الهدنة –أو قل الصفقة: ما شئت- من أجل إفشال مخطط الإطاحة. فشارك الحزب في لجنة الخمسين لإعداد الدستور – وعصروا على أنفسهم قفص ليمون!- لتخرج الوثيقة خالية من المادة التي جيّش الحزب من قبل كل جيوشه للدفاع عنها وتصويرها على أنها حامية حمى الشريعة وأنها أول درجة في سُلم تطبيق الشريعة. ومع ذلك خرج الحزب ليعلن أن الدستور الجديد –ومن دون المادة التي ناضل من أجلها- أقربُ إلى الله وأقومُ سبيلًا وأحسنُ قيلًا وأكثر تحقيقًا للشريعة من الدستور القديم – المشتمل على مادة الشريعة من وجهة نظرهم القديمة-.

ولم يتوقفوا عند هذا الحد بل جابوا محافظات المحروسة ليعلنوا دعمهم للدستور الجديد عبر مؤتمرات جماهرية ضخمة لم يكن يعنيهم في الحقيقة منها سوى العين الصحفية والإعلامية التي ترصدهم، ليبدوا للناس فيما يبدو لهم أن الحزب هو الداعم الأكبر أو ربما الأوحد للوثيقة الجديدة في مصر. وخرج بعض الطبيين– ولا أقول المغفلين-من النخب الإعلامية المصرية – والذين هم بالمناسبة سبب النُكبة- ليمتدحوا الحزب ودعوته وقادته خالعين عليهم من الحُلل العالية السديدة والصفات الحسنة المجيدة من الوطنية تارة ومن الإصلاحية تارة أخرى ومن السلمية والتفتح وغيرها تاراتٌ أخرى.

ولكن الحقيقة التي قد لا يعلمها الكثيرون أو قد يتغافل عنها الأكثرون أن الحزب السلفي ما خرج ليدافع عن الدستور ولا روج له ولا طار به في الآفاق لأجل اقتناعه به ولا أجل الشريعة والدين ولا لوجه الله كما قال رئيس الحزب بل لوجه البرلمان ولأجل عيون مجلس النواب القادم.

فإنه وبسبب الدفعة الإعلامية والتي حصل عليها الحزب بعد تروجيه للدستور وبسبب الهجوم الإخواني –والذي قد يكون مدبرًا ومتفقًا عليه- وبسبب الطبيعة التنظيمية للحزب والتي لا تقل عن الإخوان أو ربما تزيد، قد نفاجأ بمفاجأة غير سارة على الإطلاق بأننا أمام برلمان سلفي، أغلبيته سلفية ورئيسه سلفي، وهو ما يدفع لمفاجأة أخرى لا تقل في قتامتها عن سابقتها أننا أمام رئيس للحكومة من الحزب السلفي وهي الطامة الكبرى.
الجريدة الرسمية