وَجْها الإنقاذ
حين تتَشكل حكومة إنقاذ وطنى فى أى بلد فى العالم تهدده الفوضى وتنذر بتفكيك الدولة، فإن الذهن ينصرف على الفور إلى إنقاذ البلاد والعباد من نظام حاكم، لكن لهذا الإنقاذ وجهاً آخر، غالباً ما تضيع الفرصة لتفهمه واستثماره على الشاطئ الآخر، وهو النظام ذاته، فلو تعلقت النظم التى أفرطت فى استخدام العنف أو سَعَت إلى احتكار السلطة والاستحواذ عليها بمفردها إلى هذا الوجه الآخر للإنقاذ لتوقفت على الفور لتعيد حساباتها، بحيث لا تأخذها العزة بالإثم وتستمر فى منهجها المُضاد لحركة التاريخ ورهانات الواقع السياسى .
فالإنقاذ لا يعنى بالضرورة بُعْداً واحداً يتلخص فى تغيير نظام، إنه أحياناً يعطى فرصة قد تكون نهائية لهذا النظام كى يعدل من مساره ويعترف بحقوق الآخرين فى الاختلاف حتى لو كانوا من خصومه .
لكن نادراً ما تصحو النظم الاحتكارية قبل الأوان، وعلى سبيل المثال فإن العبارة التى أصبحت شهيرة للرئيس التونسى السابق زين العابدين وهي: “الآن فهمت” لها دلالات عديدة فى مقدمتها تحديد أوان للفهم، لكن هذا الأوان لا تضبطه فقط عقارب ساعة رئيس لأن هناك ساعات أخرى لها توقيتها تبعاً لحيثيات مغايرة .
فهل كان المشهد سيتغير جذرياً لو أن فَهْمَ السلطة لما يجرى فى الواقع حدث فى موعده أو قبل موعده بقليل؟ بالتأكيد سيكون هناك اختلاف فى المشهد والفهم المبكر أو الاستباقى إما أن يساعد نظاماً ما على النجاة أو على الأقل يؤجل مصيره الدرامى .
وحين يطفو شعار أو عنوان الإنقاذ على السطح فإن معنى ذلك أن الانفجار بات وشيكاً، وربما قاب رصاصتين أو حجرين من حرب أهلية، فالحروب من هذا الطراز لا تولد مرة واحدة وفى يوم محدد، وحادثة الباص التى تنسب إليها الحرب الأهلية فى لبنان لم تكن السبب بل القشة التى قصمت ظهر السلم الأهلي، لأن ما سبقها كان تراكماً مشحوناً بالاحتقانات، وإن كان للحكمة أو التعقل دور فى هذا السياق فهما يؤديان إلى نتائج إيجابية فى حالة التدارك وعدم انتظار الأزمة حتى تتفاقم وتنفجر بحيث لا ينجو منها أى طرف .
ولأن معظم مُصطلحات السياسة مستعارة من معاجم أخرى، فإن الإنقاذ تبعاً لمعناه الدقيق مرتبط بالغرق أو الحريق أو حوادث السير، لكن هذا النمط من الإنقاذ له ثقافته وأدواته وأدبياته أيضاً بخلاف الإنقاذ بالمفهوم السياسي، لأن ما تتعرض له الشعوب ليس غرقاً مفاجئاً أو حالة احتراق طارئة أو حادث سير، بل هو شعور بالعسف يتنامى بلا مَصدات تعوق نموه .
وفى الأمثلة العربية الطازجة، التى يتقدمها المثال المصرى فإن المطالبة بالإنقاذ ليست مغلقة ما دام هناك شروط تطالب بها المُعارضات، وفى حال الاستجابة لها يصبح للإنقاذ وجه آخر .
نقلاً عن الخليج الإماراتية