الوطن المسحول
ليست القضية قضية "حمادة صابر"، الذى صار معروفاً إعلامياً بـ"المواطن المسحول"، فما حدث معه، على قبحه وبشاعته، لا يُقارن بما حدث مع آلاف المصريين، الذين ذاقوا الذل والهوان، سنين عدداً، فى ظل أنظمة حكم بائدة.
فـ"حمادة"، نُقل إلى مستشفى الشرطة، ووجد عناية طبية ومعنوية فائقة، وهاتفه وزير الداخلية، ووعده بوظيفة حكومية، وأصدرت مؤسسة الرئاسة بياناً أدانت فيه الواقعة، ووصفتها بـ"المؤلمة"، وتضامنت جهات أخرى معه، فضلاً عن جهات أخرى، حاولت توظيف الواقعة، توظيفاً سياسياً، يخدم أهدافها،أما الذين انتُهكت أعراضهم، وتيتّم أبناؤهم، وترملت زوجاتهم، فى سنين سابقة، فلم يأبه بشأنهم أحد، فليست النائحة كالثكلى!
فـ"حمادة"، ليس الأخير، فى طوابير المواطنين، المسحولين مادياً ومعنوياً، فكما سبقه كثيرون، فسوف يلحق به كثيرون أيضاً، فالثورة لم تقم بعد، حتى يحلم "حمادة" وأمثاله، بأن يعاملوا معاملة آدمية!
فكما كانت الأنظمة السابقة، مستبدة، ولم تحترم يوماً كرامة الفقراء والمعدومين، الذين هم وقود معركتها فى كل وقت وحين، فإن النظام الحالى، أشد بطشاً وغباء، وأدنى من أن يشعر مثل "حمادة"، فى كنفه، بأنه إنسان، له الحق الكامل فى الحياة.
فيا أيها المتباكون على "حمادة"، وفروا دموعكم الافتراضية، ويا أيها اللاعنون له، لأنه تراجع عن اتهام الشرطة، طوعاً أو كرهاً، لا ترجموه، وارحموا ضعفه، وهوانه، فمثله يعيش غريباً ويموت غريباً، فلا كرامة للفقراء والمعدمين فى أوطانهم.
وسواء أصر "حمادة" على أقواله الأولى، التى جلبت عليه اللعنات، أو تراجع عنها، فإن الأمر لا يختلف كثيراً، ولن يغير من الواقع الأليم شيئاً، فإن هذا المشهد سوف يتكرر مرات ومرات، فى ظل نظام مرتبك، ضعيف، غير قادر على حماية عرينه.
ليس "حمادة، هو المسحول الوحيد، فكل ضعيف، لا يحصل على حقه، فى وطن، يقال إنه شهد ثورة قبل عامين، يشبهه تماماً، وليس أحسن منه حالاً، بل قد يكون "حمادة" أوفر حظاً، بسبب الاهتمام الرسمى والشعبى بأمره، فضلاً عن الوظيفة الحكومية، التى أغراه بها وزير الداخلية، فى وقت لا يجد فيه حملة الماجستير والدكتوراه عملاً ثابتاً أو كريماً!
ليس "حمادة" هو المسحول وحده، بل الوطن نفسه، صار مسحولاً، فى ظل وطن، غدا أسيراً ، فى قبضة جماعة كفرت بالوطن، معنى، ومضموناً.