رئيس التحرير
عصام كامل

النواح والنواحة


كتب الشاعر الراحل عمنا أحمد فؤاء نجم، أغنية حاحا الشهيرة والتي استمعنا إليها حتى الثمالة خلال السنين الثلاث الماضية كإحدى أغاني الثورة.. وإذا تساءل البعض عما حدث لثورة يناير.. فالإجابة تكمن في طيات هذه الأغنية الثورية ذاتها على طريقة الأفلام البوليسية..


بينما كانت بقرة حاحا يتم سلب حليبها من أهل الدار والروم والخواجات شفطوا اللبنات.. كنا ننوح.. ثلاث سنين من فبراير ٢٠١١ ونحن ننوح على بقرة حاحا.. دون أن ندرك أن النواح لن ينقذها هي أو اللبن المغتصب..

نوحنا على استفتاء ١٩ مارس وعلى مجلس الشعب وعلى الدستور وعلى انتخاب مرسي دون توقف.. ندابات.. لم يتوقف أي منا ليحاكم ذاته على ما اقترفناه منذ ١١ فبراير وحتى هذا اليوم.. ظللنا في دفاع مستمر عن كل ما يمثل ٢٥ يناير دون أن ندرك أن بدفاعنا عما كان فاسدا فنحن نطعن فكرة الثورة ذاتها.. دون أن ندرك أننا ما لم ندن فساد بعض من شاركوا في الثورة فإن أهالينا الذين دعوناهم لكي ينضموا لنا بشعارات إنزل وحالة التعاطف التي حدثت بعد سقوط مبارك ستذهب إلى خبر كان..

"اقتحام السجون كان عملا عشوائيا جاء بالصدفة وكذلك مهاجمة الأقسام لأنه لو هذا لم يحدث فإذن هي تهمة لنا كثوار".. أنت من قمت بهذا الربط قبل الشعب فلماذا ترفض في هذه اللحظة أن يقوم الشعب بهذا الربط..

"كل من شاركوا في الثورة شرفاء والحملة ضدهم تشوه الثورة"، دورك كثوري أن تلفظ من يتضح فساده داخلك قبل الآخرين حتى لا تصبح شريكا في جريمته بما أنك مربوط تلقائيا به..

"يا أهالينا انضموا لينا.. يا أهالينا انضموا لينا.. بس ما تنضموش قوي.. سيبونا نقرر لأننا إحنا اللي نزلنا الأول يوم ٢٥ قبلكم".. حين نزلت يوم ٢٥ يناير كان لإزاحة ديكتاتور ونظام وترك الصوت للشعب ليقرر مصيره فإنك زرعت له نظاما أفسد مما سبق فعليك نقد ذاتك وعمل كشف حساب لأخطائك حتى لا تتحول لخطايا..

لا بد أن نعترف بأن كثيرا منا ارتكبوا حماقات بغض النظر عن انتمائنا لنفس الفريق الكاره لمبارك ونظامه.. فالاعتراف بالخطأ بداية الطريق للوحدة ولهذا فنحن اليوم نفترق.. حين تفقد صوتك صراخا ضد التعديلات الدستورية وترفع قضية ضد تأسيسية الدستور التي فرضها الإخوان ثم تدعم مرشحهم كمرشح الثورة.. فأنت تقدم على خطيئة في حق ثورتك حين تعتبر هذا ممثلها..

ولا تحدثني عن اللحظة الفارقة وما إلى ذلك.. وحين تدفع بمرشحين من باب أن "إثبات الفكرة هو المهم وليس الانتخابات ذاتها" فإنك تخون من آمن بك ونزل لدعمك في الميدان دون أن يكون له اهتمام شخصي بفكرة الثورة.. وحين تدعم مرشحا بوضوح على مدى شهور قام بخيانتك بلا توقف.. كيف تتوقع من غير الثوار أن يؤمنوا بك.. بعد ١١ فبراير.. قلنا الدستور أولا.. ضغط الإخوان للتعديلات الدستورية والانتخابات.. وتلقينا خاذوق ورا خاذوق حتى جاء اليوم الذي رأيت في مرشحهم أملك الوحيد نعم أملك الوحيد بمنطق انتقامي بحت لا عقلاني..

بداية لو كنت من النوع الذي تؤمن بأن كل من لم ينزل في الثمانية عشر يوما ضد مبارك لا حق له في البلد أو في أن يكون له رأي فلا حاجة لقراءة الهذا المقال.. أما إذا كنت تعتبر أننا خرجنا إلى الشوارع من أجل هؤلاء الخائفين أو حتى المتصالحين مع فساد السلطة بمنطق أن لا خيار آخر.. فهذه فرصة نقد الذات.. تذكر أولا أن الخيار الذي تراكمت أفعالك خلال تلك الفترة لم تريه العكس.. خاصة وبعض من أطياف حلفائك مازالت تنسق مع الإخوان حتى هذه اللحظة باعتبارهم ملاذهم الأخير..

نعم لم نحمل للشعب خيارا أفضل.. بل الأغبى أننا تجاهلنا جميعا بما أننا نرفض شفيق وأنا على رأس تلك القائمة كل انتهاكات الانتخابات ومنع فئات من الشعب من الانتخاب بالقوة في الصعيد والتزوير والتي تجعل فرق الواحد في المائة مشكوكا فيه بمنطق أن مرشح "الثورة" قد نجح.. ارتضى بعضنا احتمالية التزوير لرفضنا المرشح المنافس..

وفي هذا ما الفرق بيننا وبين فساد مبارك والحزب الوطني ؟ لا أقول إنني كنت أرغب في أن يصل شفيق للحكم فهو بالتأكيد ما كنت أرفضه ولكنني أتحدث عن ضمائرنا "البحبوحة"...

يؤمن أغلبية الشعب المصري حاليا بأن ثورة ٢٥ يناير كانت مؤامرة.. وحاليا صراحة أجدني ميالا لتصديق أن بعض ممن شاركوا فيها سواء منذ البدء أو المنتصف كالإخوان لم يكونوا صافيين النية ومندفعين بيوفوريا الثورة كما كنا في ليلة ٢٥ يناير أو في يوم ٢٨ ولكن الأكيد أن الكثير نزلوا لأسباب حقيقية وباندفاع حقيقي وأن الخروج ضد مبارك كان حتميا.. وأن دفاعنا عن الطرف الآخر لا يبيض سيرته التي تأكدت تلطيخها بقدر ما يلوثنا شخصيا..

وإننا بالتأكيد خرجنا ضد السلطة والنظام لا ضد الشعب وأن اليوم الذي نسب فيه الأغلبية من هذا الشعب على اختيارهم بعد الحرية التي منحت لهم لأنهم عجائز أو خائفين أو استقراريين أو إسلاموفوبيين فنحن نخنق الثورة ذاتها وأثق أن هذا النوع من الثورات حين يصل للحكم لن يقل قمعا عما جاء قبله ليتحول لنظام فاشى باسم الثورة.. علينا أن نفهم لماذا انفضت تلك الجماهير من حولنا ونعود لكسب ما كان لدينا في ٢٥ يناير قبل أن ننوح على وفاتها ونحن بلا شك كنا نحمل سكاكين الصمت والتوافق في وسط من يطعنوها..

سؤال أخير لمن يدفعون بالمزيد من وقود الدم في معركة لا طائل لها..ما هو المطلب الحالي ؟ انتخابات رئاسية ؟ إسقاط نظام مؤقت ؟..وما ثمن أن يموت شباب أطهر من الطهر ثمنا لشهرين أو ثلاثة حتى الانتخابات التي أدعو من قلبي أن تكونوا أكثر ذكاء في خوضها حتى لا تتكرر المأساة وتموت الثورة للأبد حين يصبح: الثوار ضد الشعب.
الجريدة الرسمية