رئيس التحرير
عصام كامل

إخوان مصر وحصاد الخسائر الفادحة


التذاكى قمة الغباء، هذا ما ينطبق تماماً على جماعة الإخوان المسلمين فى مصر التى جمعت فى لحظة ما بين صعود صاروخى إلى قمة وواجهة السلطة، وانحدار إلى مشارف حافة هاوية سحيقة.


فى البدء هم فوجئوا باندلاع ثورة يناير، وبتذاكيهم جمعوا بين أن يكونوا الشريك غير المؤكد للنظام والشريك غير المؤكد للقوى الوطنية، وجاء غيابهم فى فترات حاسمة للثورة عام 2011 ليثير علامات استفهام حول موقفهم، وفى أبرز ما يشير إليه متابعون أنها تراوحت بين تواطؤ القيادات مع نظام مبارك والانخراط العفوى التلقائى لقطاعات من قواعدها فى مجرى الثورة الشعبية، وبين هذا وذاك كان الوقوف على "الحياد" بدافع الحذر وما يُوصف بالـ"براغماتية" التى تمارسها الجماعة، انتظاراً لما يسفر عنه ميزان القوى، وهذا ما حدث فى ما بات معروفاً بـ"الطبخة"، التى أنجزوها مع العسكر برعاية أمريكية لتبدأ رحلة استئثارهم بالسلطة.

ومع أن هذه اللحظة كانت قصيرة لكنها قدمت حقائق عدة، وفى الأبرز منها أن ثورة يناير من أجل الحرية والعدالة والكرامة فى ذكراها الثانية جددت التأكيد على قدرة الشعب المصرى ليس النهوض وحسب، بل استمرار عملية التغيير وبناء مصر جديدة .

لقد وضع الإخوان أنفسهم فى موقف القوة غير الجديرة للنظام المراد تغييره، فقد تجاهلوا الأطراف السياسية الوطنية والفعاليات الثورية الشبابية، وبدأوا مشوار تسلطهم بالهروب من قضايا الناس الحياتية والحقوقية، وفى الواقع العملى باتوا شركاء فى النظام الذى لم يسقط بعد رغم تنحى رئيسه وخروج العديد من أركانه، والمسألة هنا فى السياسات غير الاجتماعية داخلياً وتجديد البقاء بالدوامة التبعية ذاتها التى رهن من خلالها مبارك مصر بمكانتها وإمكاناتها وما يفترض من خياراتها وسياساتها الخارجية، للإدارة الأمريكية.

ما هو جدير بالإشارة فى هذا الشأن، أن الجماعة تحاول رمى ما آلت إليه أمورها من انحدار على أطراف سياسية أخرى، إلى درجة أنها تبدو فى شكواها وبكائها أنها غدت ليست وحيدة، بل ويتيمة، مع أن الحقائق مجافية لهذه الادعاءات، إذ للإخوان داعمون كثر وبإمكانات هائلة، ومن بين أبرز هؤلاء الأمريكيون الذين تقاطر وصول خبرائهم ومخبريهم الأمنيين إلى مصر بأعداد كبيرة للوقوف على ما يجرى .

وما لم يعترف به الإخوان، وهم جميعاً يفعلون ذلك، أنهم بأعمالهم قبل أقوالهم يذهبون إلى حصاد خسائر كبيرة وعبر مريرة، وهاكم بعض أوجه هذه الحقيقة:

الوجه الأول الاستسهال: إذ بدا الإخوان كما لو أن لديهم المفاتيح السحرية لمواجهة قضايا مصر، وما زاد من ثقتهم تلك الخريطة الطويلة للداعمين والراضين عنهم فى الخارج ووقوعهم فى ركون القدرة على مضاعفة الاحتشاد الشعبى بالاعتماد على حملاتهم الدعائية وأنشطتهم السياسية بأوجه خيرية فى الأوساط الشعبية الفقيرة، وقد وقعوا تحت تأثير التسويقات الدعائية الخادعة من أن هذا الزمان "زمنهم" من دون وعى لمعضلات مصر، ومن دون إدراك أن أحداً غير قادر على امتلاك الزمن الذى يمضى بأفق إنسانى.

الوجه الثانى هو الاستئثار: والمسألة هنا لا تقوم على تغييب الشراكة التى تفرضها متطلبات إعادة البناء ومواجهة التحديات الماثلة والقادمة وحسب، بل الضيق من الآخر بوجوده، فكيف الأمر بالنسبة لحقوقه؟ والمثل الأبرز هنا أن الرئيس مرسى سجل رقماً قياسياً فى ملاحقة الصحفيين والإعلاميين بتهمة "إهانة الرئيس".

وحسب الشبكة العربية للمعلومات فإن بلاغات الرئيس مرسى ضد الإعلاميين بلغت فى ستة أشهر فقط أربعة أضعاف ما شهدته فى الأعوام الثلاثين من حكم مبارك، وأربعة وعشرين ضعفاً لعدد القضايا المشابهة التى شهدتها فترة تولى الرئيس الأسبق أنور السادات، وأكثر من كل حكام مصر منذ بدء العمل بالمادة التى تجرم إهانة رأس الدولة قبل أكثر من 100 عام .

الوجه الثالث الافتقاد إلى القدوة الإدارية: وهذا لا يعود إلى غياب الكفاءات والخبرات؛ فالجماعة لديها أعداد غير قليلة من هذه القيادات والكوادر، ولكن هذه الكفاءات تبقى أسيرة البابوية الإقطاعية للمرشد العام بالنسبة للجماعة بكاملها، ولمن يمسكون بمفاصلها الهرمية الذين حولوا القيادات الإدارية إلى واجهات لتوجيهاتهم لا إلى كفاءات تنفذ السياسات.

الوجه الرابع، ويتمثل بما يمكن تسميته "عقدة المعاناة"، إذ من المعلوم أن هذه الجماعة نالت نصيب الأسد من الاعتقالات والملاحقات، وحرمت من حقها السياسى.

إن ما يحدث الآن من قبل جماعة الإخوان تجاه المواطنين فى تظاهراتهم يطرح أمرين، إما أن الجماعة فى وهم استملاك مصر لمجرد إمساكها بمقاليد السلطة وعلى الآخرين الخيار إما الانصياع أو المغادرة، وإما أنها باتت القوة التى تناهض التغيير فى هذا البلد..

نعم، تخوض جماعة الإخوان المسلمين فى مصر معركة شرسة ومندفعة للحفاظ على مغانم السلطة، هى وحدها من أشعلها بخداعها الأطراف السياسية ولرفضها التوافق على الدستور، ولعقدها صفقات التفافية على الثورة بأهدافها وطلائعها الشابة، كما يبدو لم يعد بمقدور الجماعة مجرد إيقاف تداعيات خسائرها الفادحة، وباتت فى حال انتحار ومواجهة مع الجماهير الثائرة .
نقلاً عن الخليج الإماراتية
الجريدة الرسمية