رئيس التحرير
عصام كامل

مصر بين المواطن والفرد (2)


تحية خالصة لقرائي الأعزاء على الرسائل التي تضمنت رأيهم في الجزء الأول من هذا المقال.

ما قصدته بإيجاز أن المصري "الفرد" لا يزال على أصالته الرصينة في حياته الخاصة، وأما في الحياة العامة، فليس هو ذلك "المواطن" الذي ينظر إلى الوطن نظرته إلى بيته، وينظر إلى سائر المواطنين نظرته إلى عائلته، وهو في الحالة الخاصة مليء بمضمونه الإنساني، وهو في الحالة العامة هو شخص أجوف لا تهمه إلا مصلحته الشخصية والمنافع التي سوف يتكسبها إن مشى في هذا الطريق.


فالمصري في العمل العام يمسك لسانه كما يقولون وذلك أهون الشرور فيه كمواطن، وإما ينطق بما يعلم أنه كذبٌ اكتسابًا للقبول والرضا فكانت النتيجة أن الانقسام الذي حدث فى الشخصية المصرية بسط نفوذه على جانب كبير من حياتنا.. ففي دنيا العلم مثلا هناك زاوية منفرجة في شخص المتعلم بين ما نقول عنه إنه تعلمه وبين ما نعرف أنه يعلمه حقا.. وهناك زاوية أشد انفراجا في حياتنا الاقتصادية والعملية بين ما نقول إننا قد أنجزناه وبين ما نعرف أنه حقا قد تم إنجازه.

فهناك فرق كبير بين ما نقول عنه إنه حقيقة واقعة، وما نعرف حقا عنه أنه بالفعل لم يحدث .. وإذا وقفنا أمام ضميرنا سنجد أن العلاج واضح لهذا الانقسام في شخصية المصري.. وهو البداية من سن مبكرة لتوعية الأجيال الجديدة بمفهوم المواطنة ومعنى الوطن وقيمة الإنسانية ومن أهم مداخل ذلك الطريق تهيئة الفرص الكثيرة التي تجمع مجموعات من المواطنين في عمل واحد مشترك، فذلك من أقوى الوسائل التي تذكر "الفرد" بأنه إلى جانب فرديته "مواطن" لآخرين.

فالوطن الواحد يكون قويا ومتجانسا بالمشاركة بين أبنائه في فعل واحد .. ومثال على ذلك خبر قديم لكنه معبر عن ما جاء بهذا المقال فقد حدث أن تمثال الحرية بالولايات المتحدة الأمريكية قد أصابه تلف أو جاء الوقت لصيانته مما استدعى أن يعلن عن البدء في إصلاحه، وبالتالي منع الزائرين له، المهم هنا هو أنه تقرر أن ينفق على إصلاحه من تبرعات "الأطفال" الذين هم دون سن العاشرة.. وكان يمكن للدولة أن تدفع من مالها، لكن الحكومات التي تريد قوة واستمرار قوة بلادها تحينوا المناسبة لزرع القيم الأمريكية في نفوس الأطفال ليكبروا عليها وهؤلاء المسؤلين "المواطنين" في وطنهم وليسوا "أفراد" يتحينون الفرصة أمام مجموعات من أبنائها للمشاركة في فعل واحد.

ذلك هو الطريق المناسب إلى تماسك أفراد الشعب في كتلة متجانسة متعاونة، وقد نقول إن أمريكا حديثة العهد ومواطنوها جاءوا إليها من أركان الأرض جميعا فهم بحاجة إلى مشروعات كهذه تقوي بينهم الروابط .. وأما من يدعون أنهم أحفاد الفراعنة ويملكون حضارة سبعة آلاف سنة فما عذرهم؟

والجواب هو أننا لأمر ما قد أصابتنا العلة التي لابد أن تكون مؤقتة وإلا ستصبح مصر مجموعة من الأفراد يقطنون هذه المنطقة من العالم دون أي تأثير.. فالمواطنة هي ثقافة شعب ومصر تحتاج الآن وبضرورة ملحة ثورة اجتماعية وثقافية لتعيد للمصري رونقه وتحضره.
ألا هل بلغت اللهم فاشهد.
الجريدة الرسمية